أخر المستجدات
الانصار بدولة ليبيا

الانصار بدولة ليبيا

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين

وبعد

الأنصار في ليبيا

ودورهم الحضاري والثقافي

إعداد:

محمَّد محمَّد الشَّيخ الأنصاري

{بحث مقدم لجمعية الأنصار للتراث الإسلامي والحضاري}
{أوباري ليبيا}{2012م}

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاةُ والسلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمينَ وعلى آله وصحبهِ وما اهتدى بهديه إلى يوم يعثونَ
الْمدخل:

كما هو معلومٌ عند كلِّ من له أدنى إلمامٌ بالتاريخ الإسلامي والسيرة النبويِّة الشريفة على أن اسم الأنصار أطلقه الله سبحانه وتعالى على لسان نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم على سكان الْمدينة الْمنورة (يثرب) من الأوس والْخزرج أبناء: قـَيْـلـَةَ بـنـت الأرقـم بن عـمـرو بن جـفـنـة بن عـمـرو مـزيـقـيـاء، مـن حـارثـة بن ثـعـلـبـة الْـعـنـقـاء بن عـمـرو مـزيـقـيـاء بن عـامـر مـاء الـسـمـاء بن الْحارثة الْغطريف بن امرئ الْبطريق بن ثعلبة الْبهلول بن مازن بن الأزد من ولد يعرب بن قحطان. وقد منَّ الله عليهم أن وحَّدهُم وألف بين قلوبهم بعد أن آمنوا برسُولِهِ (محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم) وبايعوه وآؤوه وتعهدوا بحمايتهِ والسير على طريقته، في سبيل إعلاء كلمة الله، فكان موقفهُم هذا يشكل انعطافاً مهماً في طريقة الدعوة الإسلاميَّة حيث أوجدواْ الأرضيَّة الصَّلبة التي اعتمد عليها الْمسلمون في مكافحة الشرك والقضاء عليه، وقد زكَّاهم الْقرآن الْكريم، وزكتهم السنة النبوية المطهرة في مجموعة من الأحاديث الصحاح عرفت بـ”أحاديث مناقب الانصار”.

شاءت إرادة الله أن يخرج سلفهم من الْجزيرة الْعربيَّة مجاهدين في سبيل الله وناشرين لدينه، وإعلاء لكلمته منذ الْفتح الإسلامي لإفريقيا والأندلس، واستقروا في بلاد الأندلس حتى أن ابن سعيد شيخ مؤرخي الأندلس والْمغرب الْمتوفي سنة 673 هجري، قال: ((والْعجب أنَّك تعدم هذا النَّسب بالْمدينة الْمنورة موطن الأنصار الأصلي وتجد منه بالأندلس في أكثر بلدانها ما يشذ عن الْعدد، ولقد أخبرني من سأل عن هذا النَّسب بالْمدينة فلم يجد منه إلاَّ شيخاً من الْخزرج وعجوزاً من الأوس)) .

وقال الْمؤرخ الْحجازي الشيخ عاتق الْبلادي: ((وبعد وفاة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وتسلط بني أميَّة في الْمدينة، رأى الأنصار أنَّ النَّاس قد قلبوا لهم ظهر الْمجن حتَّى هجاهم كفَّار الْعرب ومعاوية يسمع فتفرقوا في الأمصار وهاجر منهم كثيرون إلى أفريقيا ومنهم الآن أحياء عظيمة بالسودان)).

الأنصار في شمال أفريقيا وجنوب صحرائها:

عاش الأنصار في شمال أفريقيا وجنوب صحرائها الْكبرى تاركين الْوصيَّة لأبنائهم بالاستمرار في الدعوة والْعبادة والابتعاد عن الْفتن أينما ظهرت بين القبائل الْقاطنة بها ناشرين الدعوة الآسلامية بالْحكمة والْموعظة الْحسنة بين تلك الْقبائل، فانتشر الإسلام سِلْماً في أصقاع كثيرة بفضل الله ثمَّ بفضل أُولئك الّـُـدعـاة الْمتبتلين من الأنصار، وغيرهم. وأثروا تأثيراً ثقافياً واجتماعياً لا غبارَعليه عند الْقاصي والدَّاني في الْقارة الإفريقيَّة (وخاصةً شمالها وجنوب صحرائها الْكبرى). قال الْرقيق الْقيرواني في كتابه ((تاريخ إفريقية والْمغرب)) ص22: (أتفقت الْمصادر والْمراجع على أنَّ إسماعيل بن عبيد بن أبي الْمهاجر الأنصاري دعا من بقي من الْبربر إلى دين الإسلام… وأنَّه خير أمير وخير والٍ، ومازال على دعاء الْبربر إلى الإسلام حتَّى أسلم منهم عدد عظيم في دولة عمر بن عبد الْعزيز، وهو الذي علَّم أهل أفريقيا الْحلال والْحرام… وأنَّه لم يزل حريصاً على دعاء الْبربر للإسلام حتَّى تمَّ إسلامهم على يده).
الأنصار داخل تجمعات قبائل الطوارق:

ويُعرف الأنصار بين اخوالهم “الطوارق” باسم”كَلْ إنْصَرْ أو كَلْ إنْتَصَرْ” ومعناها بالطارقية{تماهقتْ ـ تماجَغَتْ ـ تَمَاشَقْتْ ـ تمازغتْ}الصنهاجية: آلْ الأنصار أو أهل الأنصار. يقول الشَّريف الأرواني في كتابه (تاريخ الصحراء) ص (303- 304): (وأما الأنصار هنا فهم في الْقديم كَلْ إنْتَصَرْ فنسبهم مشهور ثابت بالنسخ،… فهم ولد الْمختار الْملقب إنْفَ… ، فالْمختارهذا لما أتى لأروان، قبل مجيء الشيخ سيدي أحمد بن أدَّى، تأهل بفاطمة الْفردوس الْمقشريَّة، وولدت منه محمد أقْ إنْفَ وهو جد كَلْنتَصَرْ الْباقين الْيوم،… وهم أهل علم وصلاح وديانة وولاية من قديم الزمان إلى الْيوم والْحمد لله ولكن حمل أكثرهم السلاح وصاروا من أهل السلاح يردون على أنفسهم ومن أولى بالسلاح من الأنصار الذين نصروا النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم- بأنفسهم وأموالهم وحملوا السلاح وقاتلوا دونه رضي الله عنهم أمين… إلخ..) وتقول إحدى الدراسات الإستشراقية المترجمة عن اللغة الفرنسية: ((نسبت الروايات المتواترة والأحاديث الْمرويَّة أصل قبيلة (( كَلْ إنـْصَرْ )) إلى الْيمن، ومنذ فترة الْجهاد لتحرير مكة الْمكرمة كان أسلاف هذه الْقبيلة قد انضموا للقتال إلى جانب الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم ورافقوه حتى هجرته من مكة إلى الْمدينة الْمنورة ومن هنا جاءت تسميَّتهم بالأنصار. (أيْ أنصار النبي صلَّى الله عليه وسلَّم) … و في أعقاب الْحروب الصَّليبيَّة كان أحد أسلاف الأنصار قد ارتحل من الْجزيرة الْعربيَّة في إتجاه الْمغرب، ثم إلى الأندلس بأسبانيا ومن الْغرب عاد… وتواصل خط السير في إتجاه الْجزائر ليصلوا بالتحديد إلى قرية عين صالح… وتزوج جدّهم بامرأة من الطوارق، ومنذ ذلك التاريخ الذي يعود إلى الْقرن السَّادس عشر بدأ تحول الأنصار إلى الْبربريَّة…)).
الأنصار في ليبيا:

تنتشر بطون الأنصار في أغلب مناطق ليبيا إبتداء بمدينة درنة شرقاً إلى مدينة غدامس غرباً، ومن مدينة زليطن شمالاً إلى مدينة غات جنوباً.
1- منهم ((أسرة آل عبد الْمحسن وهي من الأُسر الْقديمة في زليطن الْمشهورة بالْعلم، توارثه أبناؤُها خلفاً عن سلفٍ، ومنذ أن عرفتها زليطن لم ينقطع عنها الْعلم، ولها شهرة في فض الْمنازعات وإصلاح ذات الْبين ، من أعلامها الْعلامة الشيخ أحمد بن عبد الْمحسن ابن فتح الله الذي ولاَّه باشا طرابلس رمضان داي الْقضاء بزليطن سنة (1040هـ) وهو ابن عبد الله بن موسى بن أحمد بن عبد الْمحسن بن محمد بن محمد أبي نبيه الأنصاري، كان من أهل الْمائة السَّابعة الْهجريَّة، والْمشهور عند أهل زليطن أنَّه أوَّل من زرع النخل بزليطن)). منهم أحفاد الشيخ سالـم بن طاهر بن محمد أبي نبيه الْمعروف بابن نـفـيسـة الأنصاري نسباً الأطرابلسي مولداً الزليطني داراً ووفاةً، ويعرفون بـ”الطواهر أو بن طاهر أو الطاهري” وهم أولاد القاضي، وأولاد شنيب، وأولاد بن عائشة، وغيرهـم. ويقطنون درنة، والبيضاء، ومصراتة، وطرابلس.

2- عائلة النَّائب الأنصاري الأوسي الطرابلسي، وهم أحفاد الشيخ عيسى ـ ابن ـ أبي عبد الله محمد بن عيسى بن بقاء الأنصاري الأوسي الأندلسي، اشتهروا بالنَّائب لتعاقبهم في نيابة الْقضاء خلفاً عن سلفٍ، وكانواْ يُسمُّون آل الْعَسَوُّس، لقب منحوت من عيسى الأوسي، وهو الجد الْوافد من الأندلس إلى طرابلس في أواخر الْمائة السَّابعة الْهجريَّة عند غلبة الأسبانيول عنها. من أعلامهم والشيخ الفقيه عبد العزيز بن محمد الأوسي الأنصاري مؤسس جامع العسوس “الأوسي” داخل مدينة طرابلس قرب سورها الغربي، استوطن بجبل غريان، ودفن بوادي النخل بالقرب من غريان. والشيخ محمد بن عبد الْكريم بن أحمد بن عبد الرحمن النَّائب الأنصاري الطرابلسي صاحب كتاب ((الإرشاد في معرفة الأجداد)) ترجم فيه لثمانية أعلامٍ من آل النائب الأنصاري الأوسي بطرابلس.
والشيخ أحمد النَّائب الأنصاري الطرابلسي صاحب كتاب ((الْمنهل الْعذب في تاريخ طرابلس الْغرب)).

3- أبناء الشيخ محمد بن إسماعيل ابن محمد بن إبراهيم الأنصاري نسباً، السّـُوسي مولداً الْمشهور بأبي عجيلة، الْملقب بحركات الْمتوفي بالْعجيلات 1387م ويُعرف أحفاده بأولاد الشيخ: وهم الدَّرَابَى، والْمَشـَارَى، وأولاد بوزيد، وأولاد موسى، وأولاد سلامة، وقد انقرض أولاد سلامة تقريباً.

4- أبناء سيد أحمد الأنصاري الْخزرجي الأندلسي، دفين غدامس، الْقاطنين بشارع ((جَرَسَّانْ)) بمدينة غدامس مع أخوالهم أبناء الشريف موسى بن عمران الإدريسي الحسني، من أعلامهم الشيخ محمد أبوبكر الأنصاري الْغدامسي، دفين مكة الْمكرمة، رفيق الشيخ الشريف محمد الأمين الشنقيطي إلى الْمشرق. له عقب بالْحجاز، والأردن، وقطر، وتونس، من أحفاده الشيخ أيوب بن محمد بن أبوبكر الأنصاري الْغدامسي دفين سيدي بوسعيد بضواحي تونس. والشيخ المربي عبد الـَّرحمن بن محمد بن سليمان الأنصاري دفين سيدي الهاني بطرابلسَ.

5- أحفاد الشيخ سيدي عبد الله ((سَبَّال الْعَيْن)) ابن محمد بن فضل بن عمر بن علي الْجداوي الأنصاري الْخزرجي السّـُلمي، ويقطنون واحـات آقـار، وبـراك، وأشـكـدة، بوادي الشَّاطئ، وهم أولاد محمد، وأولاد قاسم، وأولاد أبو الْقاسم. ومـن هـؤلاء تفرعت الْبيوت الأخرى وهي : أولاد سالم بن يوسف دفين واحة آقار، وأولاد محمد بن فضل، وأولاد الحاج إبراهيم بن عبد الله الأجود، وأولاد إسماعيل، وأولاد بـدر الدين، وأولاد الْقاضي الرشيد،… وغيرهم. وكانوا قضاة لدولة أولاد محمد الْفاسي بفزان. من أعلامهم المعاصرين خادمُ العلمِ والوطن الأستاذ الدكتور “محمد الطاهر الجراري”مؤسس المركز الوطني للمحفوظات والدراسات التاريخية (مركز جهاد الليبيين سابقاً).

6- أبناء الشيخ سيدي محمد الصَّديق الأنصاري الْخزرجي التَّواتي، دفين مدينة غات، مؤسس قرية وضاحية ((تـُونـَيْـنْ)) بغات، الْوافد من ((توات)) في الْقرن السَّابع عشر الْميلادي. ومنهم أبناء سيدي محمد الأمين الأنصاري، وأبناء سيد أحمد الأنصاري. ومن أعلامهم الشيخ حسن بن الحاج أحمد بن حسن الأنصاري، والشيخ محمد الصَّافي بن محمد الأمين الأنصاري الذي كان قائمقام غات، وله الْفضل في الدفاع وتحديث مدينة غات وحمايتها، وضمها إلى الإدارة الْعثمانية. والشيخ أحمادو الأنصاري، والْحاج الْمهدي بن الْحاج الْمدني الأنصاري، والشيخ مصطفى الأنصاري، والشيخ عبد الرحمن الأنصاري، والشيخ خليل الأنصاري، والشيخ عبد الكريم الأنصاري، والشيخ بركة الأنصاري، والحاج إبراهيم بن عبدالرحمن الأنصاري، وغيرهم. وقد ذكر محمد بن عثمان الْحشائشي في رحلته الْمعروفة بـ((جلاء الْكرب عن طرابلس الْغرب)) (ص 128) ثلاثة من الأنصار الذين تولّوا الْحكم في غات بعد محمد الصَّافي الأنصاري، منهم :

– والسيد الْحسان بن أحمد بن سيدي الْحسن الأنصاري.
– والسيد الْحسن ابن الْحاج أحمد بن الْحسن الأنصاري.

ومن أنصار غات أبناء الشيخ الفقيه أحمد، ابن محمد بن محمد الصَّديق الأنصاري الْخزرجي التواتي الْغاتي، دفين زاوية الشيخ الأزهري الزنتاني بواحة “طبقة” الْواقعة غرب الْقرية (الْقريات) الْغربيَّة وهو جد لبعض أبنائه. وهم بقريتي ((أولاد عطية، وأولاد جابر)) بمنطقة الرّجبان بالْجبل الْغربي (نفوسة)، من أعلامهم الْمعاصرين الشيخ الْجليل الصَّادق بن أحمد بن محمد الأنصاري، والشيخ محمد بن أحمد بن محمد الأنصاري، والشيخ عبد الرزاق بن أحمد الأنصاري، والشيخ عبد الله بن أحمد الأنصاري.

7- من الأنصار الْقاطنين بليبيا أبناء الشَّيخ محمَّد نـافـع (محمَّد أقْ إنـْفَ) الأنصاري الْخزرجي الأنـدلـسـي الـتُّمْبُكـْتِـي، ويقطنون بمدينة أوباري. ومن أحـفـاده الـشَّيخ الْحاج عبد الله (الْحاج بَلاَّ) بن محمد قطب بن محمد نافع الأنـصـاري، دفين الصحراء اللِّيبيَّة بالقرب من واحة الْكفرة. من أحفاده والـشَّيخ محمد مصطفى الْـمشهـور بـ(حُوتـَّافـَا) الأنصاري، دفين مدينة أوباري، وهو جد لبطون معتبرة من نبلاء طوارق “أوباري”. وأبناء عمومتهم أولاد يعـقـوب الأنصاري، الْقاطنين بأوباري وسبها. كما يقطن بأوباري وسبها عوائل من الأنصار السوقيين. وأبناء الْمرابط عبد الْحفيظ الأنصاري الْخزرجي ببلدة ((تـَسـَاوَاة)) بوادي عتبة، وأبناء الزَّوَارْدِي بمرزق ووادي الأجال.

كما احتضنت أرض ليبيا الطَّاهرة من الصَّحابة الأنصار الفاتحين، من امثال: الصَّحابيُّ الْجليل رويفع بن ثابت الأنصاري. من الذين نزلـوا مصـر، توفي ببرقة ودفن بالْجبل الأخضر بالقرب من مدينة الْبيضاء، عينه معـاويـة بن حديج أميراً على طرابلـس عام 46هـ ، وهو الذي فتح جزيرة جربة. والصَّحابيُّ الْجليل زهير بن قيس البلوي الأنصاري دفين درنة. وسيدي عقبة بن عمرو بن ثعلبة الْبدري – عامر- الْبدري، دفين مدينة غدامس، سكن ماء بدر فسمي البدري، واختلف في مكان وفـاتـه، ومـات بعـد الأربعين، ولاّه علي بن أبي طالب على الْـكـوفـة يوم صـفـيـن. وسيدي الْمنيذر الأنصاري الافريقي الأندلسي، دفين مدينة طرابلس، قال عنه الْمقّـري عُرف بسـيـدي الْـمـنـيـذر الأفريقي، له صحبة، وسكن أفريقية، ودخل الأندلس، قيل: الْمـنـيـذر الْـيـمـانـي، وقيل كان حلاقا للنبي صلى الله عليه وسلم.

******

واهتم الأنصار في ليبيا بتدريس القرآن الْكريم والْعلوم الشرعية وعلوم اللغة وبالتدوين والتوثيق وتجميعِ الْمخطوطاتِ والْوثائقِ التي تؤرخُ لأهمِّ الأحداثِ التاريخيةِ التي مرتْ وأثرتْ في منطقتهم قديماً وحديثاً. ومن أمثال:
1ـ الْعلاَّمة أبو الْفضل جمال الدِّين عبد الله محمد، ابن منظور الرويفعي الأنصاري الإفريقي الطرابلسي، من ولد جابر بن رويفع بن ثابت الْخزرجي الأنصاري، ولد 630هـ ـ 1232م، بطرابلس الْغرب، أخذ وسمع من: يوسف الْمخيلي، وعبد الرحيم بن الطفيل، ومرتضى بن حاتم، وأبو الْحسن بن الْمقير الْبغدادي، وأبو جعفر محمَّد بن أحمد الصيدلاني، ومحمَّد بن عبد الله الْحضرمي، والأديب الْكاتب أبو الْقاسم ابن علي بن سعود الأنصاري الْخزرجي الْمنستيري المشهور بالْبوصيري وغيرهم. وأخذ عنه: تقي الدين السَّبكي، وشمس الدين الذهبي ، وغيرهم. كان ـ رحمه الله تعالى ـ قاضياً صدراً رئيساً فاضلاً في الأدب، عالمًا في الْفقه واللغة، عارفاً بالنحو والتاريخ والْكتابة، وكانت حياته حياة جد وعمل ممَّا أهله لتولي قضاء طرابلس الْغرب. وحدَّث بمصر، ودمشق. وكان مليح الإنشاء الأمر الذي جعله يتولى ديوان الإنشاء بالْقاهرة لفترة غير قصيرة. وكان مولعاً باختصار كتب الأدب الْمطولة، ومن أفضل علماء عصره في المعارف الْكونيَّة فهو بحق مفخرة من الْمفاخر الْخالدة في التراث الْعربي الإسلامي. من أهم مؤلفاته: لسان الْعرب: ويُعد من أشهر الْمعاجم الْعربيَّة، وأطولها، كما يُعد أشمل معاجم الْعربيَّة للألفاظ ومعانيها، أتم الْمؤلفات التي صُنفت في اللغة بصفة عامة، ومرجع الْعلماء والْعمدة الْمعول عليه بين أهل هذا اللسان. جمع فيه بين أمهات الْمعجمات الْعربيَّة الْخمسة السابقة عليه،وله عقب بتاجوراء عُرفوا بأولاد مكرم.

2ـ والشيخ الأديب أحمد بن عبد الدَّائم الأنصاري الطَّرابلسي، من أهم شخصيات آل “العسوس” نقل عنه أنه قال:”قال لي معرفة بسبعين حكمة، وعمري الآن ما ينيف على خمسين سنة، ولم يسألني أحد من أهل طرابلس عن واحدة منها، ومن جملتها استخراج الماء من الأرض حتى يصعق إلى قمتها بغير مشقة” ردَّ على الوزير الإسحاقي دفاعاً عن طرابلس: في قصيدة يقول في مطلعها:
أرَى زِمَناًقدجا ء يقتنصُ المها ***بلا جارحٍ والأسدُ في فلواتِها.
وفيها:
طرابلسَ لا تقبلِ الذمَّ إنها *** لها حسناتٌ جاوزتْ سيِّئاتُها
إذا أمَّها منْ قد نأتْهُ بلادُهُ *** وأوْحشَهُ ذو أمرها من حماتها
تطامنَ عنْ نفسٍ ومالٍ وعشرةٍ *** ويَضحى بعزٍّ ما ثوى بجهاتِهَا
إلى أخر الأبيات. وتعتبرهذه القصيدة هي الدافع من تأليف ابن غلبون الطرابلسي المصراتي لكتابه “التذكارفمن ملك بطرابلس الغرب”. ومن قصائده قصيدة يستنجد فيها بالأتراك العثمانيين من الفرنسيين أثناء دخولهم لمدينة طرابلس عام 1140هـ يقول فيها:
يا واحداً ما في البسيطةِ مثلُهُ *** ملكُ الملوكِ بتاجهِ المتكللِ فاسمعْ لقصةِ من أتاكَ بِحُرقةٍ *** خُذْ ثارَهُ من كلِ خصمٍ مبطلِ
أوَما يَغيظُكَ حالَ قلعتِكَ التي *** فازتْ بفتْحِكَ في الزمانِ الأولِ
إنا لنرجوا منكَ أخْذَ الثأرِ *** من شعبِ الفرنسيسِ اللئيمِ الأرذلِ.
(وله قصيدة في الردِّ على العبدري المغربي الذي ذكر في كلامه ما يفيد ذم طرابلس ولا يتفق مع الحقيقة التي عليها حالة طرابلس وأخلاق أهلها وعاداتهم).

3 ـ والشيخ محمَّد الأمين الأنصاري مؤسس الزاوية”السنوسية” بمدينة غات، وتحتوي مكتبته على مجموعة من المخطوطات النادرة في شتى انواع العلوم الشرعية والوثائق المختلفة، عرفت فيما بعد بمكتبة الْحاج إبراهيم بن الْحاج عبد الرَّحمن بن الْحاج الْمهدي بن الْحاج الْمدني الأنصاري وتحتوي على مجموعة من الْوثائقُ على الْمراسلاتِ والْمستنداتِ والسجلاتِ والتوكيلاتِ التجاريةِ بجميع أنواعهَا، وأنواعِ البضائعِ الصَّادرةِ والْواردةِ ، ووثائقِ الْمحاكمِ الشرعيَّةِ التي تتناولُ الأحوالَ الشخصيَّةَ كمعاملاتِ الزواجِ والطلاقِ وتوزيع المْيراثِ وتسجيلِ الْمواليدِ والْوَفيَِّاتِ ، وتحديدِ الأراضي السكنيَّةِ والزراعيَّةِ . بالإضافةِ إلى وثائقَ أخرى تتحدثُ عن الضَّرائبِ الْمفروضَةِ على السِّلع الْواردةِ والْعابرةِ لحدودِ منطقتي غات وغدامس إلى الْمناطقِ الْمجاورةِ الأخرى كتونسَ ومصرَ على سبيل الْمثال. من قِبَلِ السُّلطاتِ الْحاكمةِ آنذاك سواء أكانت تركيَّةً أم إيطاليَّةً أم فرنسيَّةً. مع ذكرِ الْمشاكلِ التي تعترضُ أصحابَ الْقوافلِ التجاريَّةِ الْطرابلسيَّةِ كالْغاتيَّةِ والْفزانيَّةِ والْغدامسيَّةِ خارجَ أوطانهِمْ في أماكنِ توَاجُدِهِمْ في كلٍّ من: توات، وقابس، وتنبكت ،وكانو، وغاديس، وبرنو ، وكانم ، وغيرِهمْ من الْمناطقِ الأخرى بالسَّودان الْغربيِّ والأوسط. وذكرِ أسمائهِمْ وأسماءِ أماكنِ دفنِ مَنْ تُوفي منهم أثناءَ غيابهِ عن وطنهِ الأم. وتُعتبرُ هذه الْمجموعةُ منْ أهمِّ وأكبرِ مجموعةٍ متكاملةٍ قامَ الْمركزُ الْوطنيُّ للمحفوظاتِ والدِّراساتِ التاريخيَّةِ بتجمِيعِهَا بمنطقةِ غات.

من كنوزها وثيقة ردٍّ فيها الشَّريف عابد بن محمَّد الشَّريف السَّنوسي الْخطابي الْحسني الإدريسي على رسالة الْحاج أحمد الأنصاري الْغاتي باعتباره من إخوان الطريقة السنوسيَّة، وهي مؤرخة بتاريخ 25 رجب سنة 1334هـ.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

2 تعليقات

  1. بارك الله في الجهد الرائع.

    حفظ الله أحفاد الأنصار، وجعلهم في خدمة الإسلام في كل مكان وآن.

أضف رد على الحسين محسن إلغاء الرد