أخر المستجدات
دولة بنو نصر الساعدية الخزرجية الانصارية [629 – 897 هـ = 1232 – 1492 م].

دولة بنو نصر الساعدية الخزرجية الانصارية [629 – 897 هـ = 1232 – 1492 م].

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين

وبعد

دولة بنو نصر

[629 – 897 هـ = 1232 – 1492 م].

انفرط عقد الأندلس بعنف بعد هزيمة الموحدين فى معركة «العقاب» أمام الجيوش الإسبانية والأوربية المتحالفة، وسارت الأمور من سيئ إلى أسوأ، والقواعد تخرج من قبضة الموحدين واحدة بعد الأخرى، ينتزع بعضها ابن هود الثائر وبعضها النصارى وأتاحت هذه الظروف فرصة الظهور والمغامرة للطامحين من القادة والزعماء.
فى تلك الأثناء ظهر محمد بن يوسف بن نصر أو ابن الأحمر الملقب بالغالب بالله فى وقت اشتدت فيه المحن، وانعقدت عليه الآمال؛ لتميزه بالشجاعة ومجاهدة العدو، والتف حوله الناس وبايعوه فى «أرجونة» وما حولها على بعد ثلاثين كيلو مترًا من «جيان» فى (رمضان 629هـ = يوليو 1232م) وتوافد عليه جنود الأندلس؛ فأعلن نفسه أميرًا وانتقل إلى «جيان»، ودخلت فى طاعته بلاد الجنوب كلها، لكنه أحس أنه فى حاجة إلى معقل يعتصم به؛ لأن «جيان» مدينة مكشوفة، فوقع اختياره على غرناطة الواقعة عند سفح جبل الثلج، وكان يوجد فى أعلى الجبل حصن منيع سبق تعميره أول عصر ملوك الطوائف، فتوجه إليه وسكنه واستقر به، وشيئًا فشيئًا أخذ يوسع نطاق سلطانه، حتى أصبحت دولته تضم بين جنباتها ثلاث ولايات كبيرة هى: غرناطة وألمرية، ومالقة، ووصلت حدودها إلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق، واتخذ مدينة غرناطة عاصمة لدولته، وساعد على دعم دولته استيلاؤه على ألمرية ومالقة لما لهما من أهمية عظيمة فى المجالين التجارى والبحرى.
وقد واجهت «ابن نصر» بعض المشكلات الداخلية والخارجية، منها:

علاقته بأصهاره «بنى أشقيولة» الذين عاونوه ثم انقلبوا عليه، ونقص المال الذى كان فى أشد الحاجة إليه لتثبيت قواعد سلطانه، ومشكلته مع ملوك النصارى الذين أدركوا خطر دولته الناشئة وأرادوا القضاء عليها، فاضطر إلى أن يعقد معهم معاهدة صلح سنة (643هـ = 1245م) لمدة عشرين عامًا، وبمقتضاها حكم ابن الأحمر مملكتهباسم ملك قشتالة «فرناندو الثالث» ودفع له جزية، ووافق على حضور البلاط القشتالى باعتباره واحدًا من أمراء الملك، وعلى مده بالجنود كلما طلب منه ذلك، وبالفعل أمده ابن الأحمر بقوات ساعدت على سقوط «إشبيلية» فى يد النصارى فى (3 شعبان 646هـ = نوفمبر 1248م).
وفى (جمادى الثانية 671هـ = ديسمبر 1272م) توفى محمد بن يوسف بن نصر الملقب بالشيخ، وكان قد أخذ البيعة لولده محمد، فأقر بذلك مبدأ الملكية الوراثية، وقد اعتلى محمد الثانى العرش ولقب بالفقيه؛ لاشتغاله بالعلم أيام أبيه، وقال عنه ابن الخطيب:
«وهو الذى رتب رسوم الملك للدولة ووضع ألقاب خدمتها، ونظم دواوينها وجبايتها، هذا إلى جانب اعتنائه بالجيش وخاصة فرق الفرسان .. وكان سياسيا بارزًا .. ، أديبًا عالمًا، يقرض الشعر ويجالس العلماء والأدباء والأطباء والمنجمين والحكماء، والكتاب والشعراء».
وقد واجه الأمير الجديد ثلاث مشكلات هى، مشكلته مع الإسبان، وقد نجح فى تحقيق انتصارات عليهم منتهزًا فرصة موت مليكهم، ومع المرينيين الذين استنصر بهم ليعاونوه فى الجهاد ضد المسيحيين فإذا بهم يطمعون فى الاستيلاء على الأندلس، الشىء الذى دفعه إلى التحالف مع ملك أراجون تارة ومع ملك قشتالة تارة أخرى لدرء خطر المرينيين، وعلى الرغم من تحسن العلاقات بين غرناطة وفاس، فإن الفقيه لم يكن يطمئن إلى نياتهم، وقد دفعهم ذلك إلى التحالف مع النصارى مرات، وأخيرًا كانت هناك مشكلة مع أصهار أبيه «بنى أشقيلولة» التى اشتدت فى زمنه، وانتهت بصدور أمر يقضى بتهجيرهم إلى مدينة القصر الكبير بشمالى المغرب جنوب مدينة سبتة سنة (687هـ = 1288 م).
وعلى كل حال فقد توفى محمد الفقيه فى (شعبان 701هـ = أبريل 1302م) بعد أن نجح فى دعم دولته داخليا وخارجيا.
تولى الأمر بعد محمد الفقيه ابنه أبو عبدالله محمد، وفى عهده تحالف ملكا قشتالة وأراجون على غزو مملكة غرناطة برا وبحرًا، ولكن«ألمرية» تمكنت من الصمود فى مواجهة أقصى هجوم عرفته فى تاريخها وتمكن جيشها بقيادة شيخ الغزاة «عثمان بن أبى العلاء» من هزيمة جيش أراجون، لكن العلاقة ساءت بين غرناطة وفاس، وقام صاحب مالقة بثورة عارمة ضد الحكومة المركزية، وكانت فتنة وقتال وحرب وهدنة استمرت أعوامًا ولم تنته إلا بموت الأمير.
ثم تولى أبو الوليد إسماعيل بن فرح (713هـ = 1313م) الذى اشتهر بإقامة الحدود وتطبيق الشرع، وفى عهده قام القشتاليون بهجوم ضخم على غرناطة، انتهى بمقتل أميرى الجيش النصرانى فى مروج غرناطة، وانتهز الأمير فرصة منازعات بين أمراء قشتالة واستولى على بعض المدن القشتالية ومنها مدينة «أشكر»، وقد استخدم الغرناطيون المدفع لأول مرة عند منازلتهم لها.
ثم تولى أبو عبدالله محمد الرابع بن إسماعيل (725هـ = 1325م) الذى اشتهر بالشجاعة كما كان مغرمًا بالصيد محبا للأدب والشعر، وفى عهده قامت بعض الفتن الداخلية التى انتهزها النصارى واستولوا على عدد من الحصون، كما أحرز أسطولهم نصرًا على الأسطول الإسلامى فى ألمرية ومالقة.
وقد دفع هذا السلطان أن يعبر بنفسه إلى المغرب ليستنجد ببنى مرين الذين أجابوه إلى ما طلب، ونزلت قوات المرينيين على جبل الفتح وأمكنها الاستيلاء عليه عام (733هـ = 1333م)، ولكن السلطان قُتل فى طريق عودته إلى غرناطة وتولى من بعده أخوه أبو الحجاج يوسف الأول.
وشهدت مملكة غرناطة فى عهده عصرها الذهبى، فأنشئت المدرسة اليوسفية والنصرية، وجرى الاهتمام بتحصين البلاد، وإنشاء المصانع، وإقامة الحصون، وبناء السور العظيم حول ربض البيازين فى غرناطة، وأضيفت منشآت كثيرة إلى قصر الحمراء منها باب الشريعة وغيره، وكان السلطان حريصًا على تفقد أحوال شعبه بنفسه.
ومن الأحداث العظام فى عهده: الوباء الأسود الذى تفشى فى حوض البحر الأبيض المتوسط عامى (749 – 750هـ = 1348 – 1349م)، وشملالمشرق والمغرب، وراح ضحيته عدد عظيم من علماء الأندلس ورجال الدين والأدب والسياسة فيها.
وعلى الرغم من قيام أبى الحجاج بعقد سلام مع ملك قشتالة عام (734هـ = 1334م) فإنه سرعان ما تحطم وبدأ صراع بين غرناطة والمغرب من ناحية، وقشتالة تساندها أراجون والبرتغال من ناحية أخرى حول السيطرة على جبل طارق، وبعد معارك انتهى الأمر بين كل الأطراف بعقد معاهدة مدتها عشر سنوات، وتوفى يوسف الأول قتيلاً فى (أول شوال 755هـ = سبتمبر 1357م)، وتولى ابنه محمد الخامس الغنى بالله، وحدث صراع وتحالف بين هذا الطرف أو ذاك وبين ملوك النصارى، وانتهت هذه المرحلة بعقد صلح دائم بين قشتالة وأراجون وغرناطة والمغرب عام (772هـ = 1370م)، ثم توفى السلطان محمد الخامس الذى كان ملك البرتغال وسلطان بنى مرين قد ساعداه على استرداد ملكه، وبعده تعاقب على عرش غرناطة عدد من السلاطين الضعاف وتعرضت المملكة لكثير من الفتن والدسائس والمؤامرات وجرت اتصالات وتحالفات مع ملوك النصارى، وبلغ الاضطراب حدا تعاقب فيه على مملكة غرناطة اثنا عشر سلطانًا خلال القرن (9هـ = 15م)، تولى بعضهم أكثر من مرة، فشهدت غرناطة اعتلاء عشرين سلطانًا على عرشها.
حدث هذا فى الوقت الذى شهدت إسبانيا المسيحية نهضة حربية وسياسية توجت بزواج «فرناندو الثالث» ملك أراجون من «إيزابيلا» ملكة قشتالة، واتحدت الدولتان فى مملكة واحدة عام (874هـ = 1469م) بعد طول نزاع وحروب، وكان ذلك بداية النهاية لمملكة غرناطة الإسلامية التى استمر بقاؤها معتمدًا – على حد كبير – على استغلال النزاع بين هاتين المملكتين، وبدأ الملكان الكاثوليكيان يعملان على إنهاء الوجود الإسلامى فى شبه الجزيرة، وعرف ذلك سلطان غرناطة فامتنع عن دفع الجزية لقشتالة وبدأ النزاع بين الجانبين، وتمكن النصارى من الاستيلاء على حصن «الحمة» عام (887هـ = 1482م).
وزاد من سوء الموقف اشتعال الحروب الأهلية بين أفراد البيتالحاكم؛ فقد هجر السلطان أبا الحسن على ولداه «أبو عبدالله محمد» و «يوسف» وأعلنا الثورة على والدهما بسبب خضوعه لسيطرة زوجته الرومية الأصل وإهماله أمهما، وقد قامت حروب بين الفريقين، أسفرت عن طرد السلطان أبى الحسن الذى لجأ إلى مدينة بسطة، كما قتل ابنه يوسف وتولى ابنه أبو عبدالله على مملكة غرناطة، وقد تعرض السلطان الجديد لهزيمة على يد النصارى وأسروه ثم أطلقوا سراحه بعد أن أملوا عليه شروطهم، وواصل السلطان الجديد الحرب ضد والده الذى سرعان ما توفى وخلفه أخوه أبو عبدالله محمد الملقب بالزغل.
انتهز النصارى فرصة هذه الفتن واستولوا على بعض المدن، وبعثوا إلى الزغل يعرضون تسليم ما معه من أراضٍ مقابل مال كثير فوافق ورحل إلى فاس، وهناك وضعه سلطان المغرب فى السجن وصادر أمواله وسمل عينيه.
وقد لجأت مملكة غرناطة فى السنوات الأخيرة من عمرها إلى السلطات الحاكمة فى مصر تطلب نجدتها، ولكن مصر المملوكية آنئذٍ لم يكن فى مقدورها أن تفعل شيئًا بسبب ظروفها الداخلية، وكل ما استطاعته هو التهديد. بمعاملة المسيحيين فى المشرق معاملة سيئة إذا ما تعرض المسلمون فى الأندلس للإهانة، وقد أرسل الملكان المسيحيان سفارة إلى السلطان «قانصوه الغورى» عام (907هـ = 1501م) طمأنته على وضع المسلمين وأزالت التوتر بين الجانبين. وقد التقت قوات غرناطة والمرينيين من قبل وحاربوا قوات قشتالة وليون عند «أسنجة» جنوبى قرطبة سنة (647 هـ = 1249م)، وتحمس المسلمون حماسًا عظيمًا ومزقوا قوات قشتالة شر ممزق، واضطر «ألفونسو العاشر» إلى طلب الصلح، وحدث لقاء مماثل قرب غرناطة عام (718هـ = 1318م) اتحد فيه المسلمون فحققوا نصرًا مؤزرًا، وهذا يعنى أن قوة المسلمين فى الأندلس كانت لاتزال تستطيع الدفاع عن نفسها ودحر عدوها إذا وحدت صفوفها وأدركت أهمية معاركها، ووعت جيدًا دورها فى مواجهة الأعداء وتثبيت أقدام المسلمين فىأرض الأندلس، لكن النفور بين المرينيين وبين بنى نصر كان أكثر أذىً وأشد وطأة من خلافهم مع النصارى.
وبقى عبدالله فى الميدان وحده وقد رفض تسليم غرناطة وصمم على القتال، وفى عام (896هـ = 1491م) قام الملك «فرناندو» بحصار غرناطة وأفسد زراعتها وأقام حولها القواعد، ثم توصل الطرفان إلى معاهدة التسليم، ودخل الملكان الكاثوليكيان مدينة غرناطة فى (الثانى من ربيع الأول 897هـ = الثانى من يناير 1492م).

بعض مظاهر الحضارة بغرناطة فى عصر بنى نصر

ازداد عدد السكان فى مملكة غرناطة بسبب تدفق المهاجرين إليها من المدن الأخرى وبسبب هجرة المدجنين الذين أفتاهم فقهاؤهم بضرورة مغادرة البلاد التى سقطت فى يد النصارى، فلجأ إليها العلماء والأدباء وعامة الناس، كذلك عاش البربر الذين جاءوا لمعاونة غرناطة فى حروبها ضد المسيحيين، كما تحدثت بعض المصادر عن عناصر سودانية خارج مالقة، وعن صوفية وفدوا من الهند وخراسان وبلاد فارس للمرابطة فى سبيل الله، هذا بالإضافة إلى الأفارقة السود الذين عبروا إلى الأندلس منذ حركة الفتوح الأولى، وقد تغلغل حب الانتماء إلى القبائل العربية بين الأندلسيين، ويذكر فى هذا أن بنى نصر ملوك غرناطة ينسبون أنفسهم إلى الصحابى الجليل «سعد بن عبادة» سيد الخزرج وأحد زعماء الأنصار.

العمارة فى مملكة غرناطة

كان لغرناطة مسجد جامع من أبدع الجوامع وأحسنها منظرًا. لا يلاصقه بناء، قد قام سقفه على أعمدة حسان، والماء يجرى داخله.

وإلى جانب المسجد الجامع وجدت مساجد أخرى مهمة مثل: مسجد الحمراء وعدد من المساجد فى الأحياء المختلفة.

واشتهرت مساجد غرناطة باستخدام الرخام، كما عرفت المساجد الأندلسية بتجميل صحونها بحدائق الفاكهة وأقيمت المآذن منفصلة عن المساجد يفصل بينها صحن المسجد، وكانت المئذنة عبارة عن أربعة أبراج مربعة وتتكون من طابقين، ويحيط بها سور يزين أعلاهبكرات معدنية مختلفة، وحتى الآن توجد مئذنتان ترجعان إلى عصر دولة بنى نصر، الأولى مئذنة مسجد تحول إلى كنيسة هى كنيسة «سان خوان دى لوس ريس»، والثانى ببلدة «رندة» التى تحول مسجدها إلى كنيسة باسم «سان سباستيان».

قصر الحمراء

يعد قصر الحمراء من أعظم الآثار الأندلسية بما حواه من بدائع الصنع والفن، وقد كانت الحمراء قلعة متواضعة فى القرن الرابع الهجرى، وعندما تولى «باديس بن حبوس» زعيم البربر غرناطة اتخذها قاعدة لملكه، وأنشأ سورًا ضخمًا حول التل الذى تقع عليه، وبنى فى داخله قصبة جعلها مركزًا لحكمه، وقد تطورت مع الزمن وأصبحت حصن غرناطة المنيع.

ولما دخل «محمد بن الأحمر» غرناطة عام (635هـ = 1238م)، أخذ يبحث عن مكان مناسب تتوافر له القوة والمناعة، فاستقر به المطاف عند موقع الحمراء فى الشمال الشرقى من غرناطة، وفى هذا المكان المرتفع وضع أساس حصنه الجديد «قصبة الحمراء»، ولكى يوفر له الماء أمر بعمل سد على نهر «حدرة» شمالى التل، شيدت عليه القلعة، ومنه تؤخذ المياه وترفع إلى الحصن بواسطة السواقى، وقد باشر السلطان العمل بنفسه واشترك فيه وكافأ المجتهدين، واتخذ ابن الأحمر من هذا القصر مركزًا لملكه وأنشأ فيه عددًا من الأبراج المنيعة، وأقام سورًا ضخمًا يمتد حتى مستوى الهضبة، وفى عهد «محمد الفقيه» استكمل الحصن والقصر الملكى، ولما تولى «محمد الثالث» قام ببناء المسجد الجامع بالقصر.
وكان عهد السلطان «يوسف الأول» وولده «محمد الخامس» هو العصر الذهبى لعمليات الإنشاء والتشييد فى قصر الحمراء ففى عهد الأول أقيم السور الذى يحيط بالحمراء بأبراجه وبوابته العظمى المعروفة بباب الشريعة أو العدل وغير ذلك من الأبراج والقصور والحمامات، وقام الثانى بإصلاح ما بدأه أبوه وإتمامه، ثم قام بتشييد مجموعة قصر السباع، وقاعة الملوك أو العدل وغيرها.

وقد يسأل سائل، من أين جاء اسم الحمراء؟ قيل إن هذا اسم قلعةالحمراء القديمة التى فوقها بنى ابن الأحمر قصره، وقيل: إن هذا الاسم مرجعه احمرار أبراج قصر غرناطة الشاهقة، أو إن ذلك يرجع إلى لون الآجر الذى بنيت به الأسوار الخارجية، أو إلى لون التربة التى بنيت عليها والتى اكتسبت لونها الأحمر من كثرة أكسيد الحديد بها ولهذا سميت بتل السبيكة.
وأيا ما كان الأمر فليست هناك صلة بين اسم الحمراء وبنى الأحمر الذين لقبوا بهذا بسبب احمرار شعر جدهم، ولم يلبث أن ارتبط كلاهما بالآخر.

قصر جنة العريف

شيد فى أواخر القرن الثالث عشر الميلادى، ثم جدده السلطان أبو الوليد، ويقع بالقرب من قصر الحمراء ويطل عليه، وهو فى شمال شرقى الهضبة وتظهر من ورائه جبال الثلج، ويدخل الإنسان إلى هذا القصر من مدخل متواضع يؤدى إلى ساحة فسيحة على جانبها رواقان طويلان ضيقان، وفى وسط الساحة بركة ماء غرست حولها الرياحين والزهور الفائقة الجمال حتى أصبح هذا القصر المثل المضروب فى الظل الممدود والماء المسكوب والنسيم العليل وقد اتخذه ملوك غرناطة متنزهًا للراحة والاستجمام.

قصر شنيل أو قصر السيد

يرجع تاريخه إلى زمن الأمير الموحدى أبى إسحاق ابن الخليفة أبى يعقوب يوسف، وقد اتُخذ قصرًا للضيافة فى عهد بنى نصر، ويقع على الضفة اليسرى لنهر «شنيل» وقد أقام سلاطين بنى نصر قصورًا أخرى فى العاصمة وغيرها من المدن لا يزال بعضها باقيًا إلى اليوم منها: القصر الذى بناه محمد الفقيه فى ربض البيازين، وكان يضم نافورة رخامية وصالة مربعة جميلة مملوء بالمناظر البديعة، وبالقرب من هذا القصر منزل يعود إلى القرن الثالث عشر الميلادى، وفى حى القصبة القديمة بالبيازين قصر «دار الحرة» وهو عبارة عن صحن محاط بالأروقة تفتح عليها صالات ولا يزال يحتفظ بزخارفه الحائطية لليوم، كما توجد أطلال بعض المنازل التى ترجع إلى زمن بنى نصر فى غرناطة وما حولها.

الناحية العلمية

أما فى الناحية العلمية، فقد حافظت تلك الفترة على ما خطهالسابقون وأضافت إليه، ونجد ثبتًا طويلا بأسماء اللامعين فى كتاب الإحاطة لابن الخطيب، وفى نفح الطيب للمقرى، كما أنشئت المدارس وتوافرت الاختراعات مثل: المدافع والبنادق التى استعملها المسلمون فى دفاعهم عن غرناطة، ويحتفظ متحف مدريد الحربى بنماذج منها حتى الآن.

كذلك ازدهرت صناعات عديدة منها: صناعة السفن، والمنسوجات، وقد أنتجت المصانع القماش الموشى بالذهب فى ألمرية ومالقة وأقمشة أخرى فى غرناطة وبسطة، وتم اتخاذ الفراء من بعض الحيوانات البحرية.

كما عرفت المملكة صناعة الأصباغ والجلود والحلى وغيرها؛ كذلك اهتم بنو نصر بالزراعة وما يتصل بها من وسائل الرى وأنواع المزروعات، وكانت مدينة غرناطة أجمل مدن العالم بشوارعها وميادينها وحدائقها ومرافقها وكانت تصدر صناعاتها إلى عدد من البلدان بعضها أوربى، وهناك أسماء كثيرة من أعلام الفكر ظهرت فى هذه الفترة منها: ابن البيطار وابن خاتمة وابن الخطيب، وهناك عدد من سلاطين بنى نصر ألفوا كتبًا فى الأدب، ورعوا العلم ورجاله ومعاهده.

5 – المورسكيون

جمع مفرده: «المورسكى» وهى تصغير لكلمة «الموروه» والمقصود بها أفراد الشعب المسلم الذى ظل موجودًا بإسبانيا يخضع لحكم الملكين الكاثوليكيين بعد سقوط غرناطة فى أيديهما.
وقد نظمت معاهدة التسليم حقوق وواجبات هؤلاء، لكن بنود هذه المعاهدة سقطت واحدًا وراء الآخر، وأريد لهم أن يكونوا نصارى شاءوا أم أبوا، وتم فى سبيل ذلك اللجوء إلى كل ألوان الأساليب وأشدها قسوة وعنفًا مع استخدام الأمانى أحيانًا.
وقد أبت غالبية المسلمين أن تفرض عليهم عقيدة لم يؤمنوا بها فاصطدموا بالسلطات المسئولة دينية ومدنية، واستخدمت محاكم التفتيش معهم كل حيلها من اعتقال وتشريد ومصادرة وتحريق، كما جوبهت ثوراتهم على الظلم بكل قسوة وعنف، ولم يفت المسئولون استخدام وسائل التبشير والإغراء، وظل المسلمون على موقفهموواصلوا ممارسة شعائرهم الإسلامية فى العلن حينًا وفى السر أحيانًا، وبلغ الضيق برجال الكنيسة ورجال الحكم مداه، وبعد مناقشات مستفيضة تقرر طرد المورسكيين من كل إسبانيا، وتم ذلك بالفعل فى الفترة من (1609 – 1614م)، حدث ذلك دون مراعاة لمشاعر هذه الشريحة من المجتمع الإسبانى، على الرغم مما كان لها من دور متميز فى خدمة الزراعة والاقتصاد بمختلف بلدان شبه الجزيرة.
وتم بهذا الطرد إنهاء فصل من فصول العلاقات بالغة الأهمية بين الإسلام والنصرانية فى بلاد الأندلس. ولله الأمر من قبل ومن بعد وإليه المرجع والمآب.

اضف رد