بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف المرسلين
وبعد
لا يختلف اثنان بكون مطلع العصر العباسي عرف ازدهار ونموا شمل مختلف المجالات . ولعل من ابرزها العلوم الشرعية خصوصا الفقه الاسلامي الذي اتسعت دائرته وظهرت فيه مدارس مختلفة وفقهاء داع صيتهم في مشارق الارض ومغاربها . و من ابرزهم الشخصية الانصارية الاسلامية الرجل الثاني في المذهب الحنفي الذي يرجع له الفضل في انتشاره في مختلف الدول. صاحب كتاب الخراج واول من تقلد منصب “قاضي القضاة” ( وزير العدل ورئيس المجلس الاعلى للقضاء ) الرجل الثاني في دولة بني العباس في عهد الخليفة هارون الرشيد انه الامام المفكر الاقتصادي المحدث قاضي القضاة الإمام أبى يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري اليكم سيرته الذاتية
” اول قاضي القضاة في الاسلام ”
الإمام أبى يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري
( 5113هـ الموافق731م – ربيع الأول 182 هـ.)
ازدهر الفقه الإسلامي في مطلع العصر العباسي ازدهارا عظيما، واتسعت دائرته وتكونت مدارسة المختلفة، وزادت ثروته وأصبح عِلما قائما بذاته، وتخصص له أعلام شهد لهم التاريخ بالنبوغ والإبداع، ودُوّنت أصوله، وظهرت قواعد الاستنباط، وقوانين الاجتهاد التي يلتزمها الفقهاء، ومن يريد استنباط الأحكام من أدلة الشرع الحنيف.
وامتاز العصر العباسي بظهور عدد من الفقهاء النابغين، ذاع صِيتهم وانتشر فقههم، وصار لهم أتباع وتلاميذ ينشرون علمهم، وينتصرون لهم، ويدعون لمذهبهم بين الناس، وكان الإمام أبو يوسف أبرز تلاميذ الإمام أبي حنيفة النعمان مؤسس المذهب الحنفي، الذين قاموا بجهد هائل في نشر مذهب الحنفية ووضع أصوله.
أسمه ونسبه
هو الإمام المجتهد العلامة المحدث قاضي القضاة ، أبو يوسف ، يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن حبيش بن سعد بن بُجَير بن معاوية الأنصاري الكوفي . وسعد بن بجير له صحبة ، وهو سعد ابن حبْتَة ، وهي أمه ، وهو بجلي من حلفاء الأنصار ، شهد الخندق وغيرها
مولده ونشأته
ولد الإمام أبى يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري في الكوفة سنة (113هـ=731م)، وبها نشأ وتعلم .
طلبه للعلم وشيوخه
اتجه أبى يوسف مبكرا إلى دراسة الحديث، فسمع من أبى إسحاق الشيباني، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وهشام بن عروة، وعطاء بن السائب، وسليمان التيمي, والأعمش وحجاج بن ارطأة , ودرس المغازي على يد شيخه محمد بن إسحاق، صاحب السيرة النبوية المعروفة باسمه، ثم تتلمذ على يد عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه الكوفي المعروف، ثم اتصل بالإمام أبي حنيفة ولازم حلقته ودروسه، غير أنه أحيانا كان ينقطع عنها؛ لاضطراره أن يعمل حتى يواجه نفقات الحياة، كان أبوه فقيرا ، له حانوت ضعيف ، فلما رأى أبو حنيفة ذلك وأحزنه أن تصرف ضرورات العيش تلميذه النجيب عن طلب العلم؛ تكفله بالعيش، وأمدّه بماله حتى يفرغ تماما للدراسة, فكان أبو حنيفة يتعاهد أبا يوسف, بالدراهم ، مائة بعد مائة .
وصُنْع أبي حنيفة مع تلميذه أبي يوسف خليق بالإعجاب والتقدير، فهو يتحمل أعباءه المالية كما يتحمل أعباء تعليمه وتهذيبه، ويسوّي بينه وبين ولده في الإنفاق والتهذيب، وإذا كان التاريخ لا يعتد بما خلّفه أبو حنيفة من أموال وعقار، فإنه يفخر بما أنجب من تلاميذ، ملئوا الدنيا علمًا وفقهًا، وحسبك من أستاذ يكون بين تلاميذه: أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن الشيباني،وزفر , والحسن بن زياد.
روى علي بن حرملة التيمي عنه ، قال : كنت أطلب العلم وأنا مقل ، فجاء أبي فقال : يا بني لا تمدن رجلك مع أبي حنيفة ، فأنت محتاج ، فآثرت طاعة أبي ، فأعطاني أبو حنيفة مائة درهم ، وقال : الزم الحلقة ، فإذا نفذت هذه ، فأعلمني , ثم بعد أيام أعطاني مائة , ويقال : إنه رُبِّي يتيما ، فأسلمته أمه قصارا .
ورغم أنه قد صحب الإمام أبى حنيفة بن ثابت النعمان سبع عشرة سنة ولزم مجلسه وتأثر بمبادئه في الفقه وقد انفق عليه حتى يتفرغ للعلم . وكان الغالب عليه مذهب ابي حنيفة وان خالفه في مواضع كثيرة وانفرد ببعض آرائه عنه، واجتهاداته , إلا أن أبا يوسف لم يكتف بما حصله من علم أبي حنيفة، فرحل إلى المدينة المنورة، واتصل بعالمها المبرز الإمام مالك بن أنس رضى الله عنه ، فأخذ عنه الحديث والفقه، ووجد منهجًا يختلف عن منهج إمامه أبي حنيفة، فوازن بينهما وقارن، وجادل شيخه وحاجّه، ثم رجع إلى العراق مزودًا بعلم أهل المدينة، فجمع بين المدرستين: مدرسة الأثر في المدينة، ومدرسة الرأي في العراق، وقرّب بينهما، وساعده على ذلك اشتغاله برواية الحديث.
وقد حدث عن : هشام بن عروة ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وعطاء بن السائب ، ويزيد بن أبي زياد ، وأبي إسحاق الشيباني ، وعبيد الله بن عمر ، والأعمش ، وحجاج بن أرطاة ، وأبي حنيفه ، ولزمه وتفقه به ، وهو أنبل تلامذته ، وأعلمهم ، تخرج به أئمة كمحمد بن الحسن ، ومعلى بن منصور ، وهلال الرأي ، وابن سماعة ، وعدة .
تلاميذه
حدث عنه جماعة كثيرة منهم محمد بن الحسن الشيباني الحنفي وبشر بن الوليد ويحيى بن معين ، وأحمد بن حنبل ، وعلي بن الجعد ، وأسد بن الفرات ، وأحمد بن منيع ، وعلى بن مسلم الطوسي ، وعمرو بن أبي عمرو الحراني ، وعمرو الناقد ، وعدد كثير .
توليه منصب قاضي القضاة
روي عن أبي حنيفة أنه قال عن تلاميذه: أصحابنا ستة وثلاثون رجلا ، ثمانية وعشرون يصلحون للقضاء، وفيهم ستة يصلحون للفتوى، وفيهم اثنان يصلحان لتأديب القضاة وأصحاب الفتوى، وأشار إلى أبي يوسف، وزفر.
وحين استشار الإمام أبو حنيفة تلميذه أبا يوسف في قبول وظيفة القضاء ونصحه أبو يوسف بالقبول، قال له شيخه: لكأني بك قاضيا، وهي النبوءة التي قال عنها هارون الرشيد فيما بعد: إن أبا حنيفة كان ينظر بعين عقله ما لا يراه بعين رأسه.
فقد سكن أبو يوسف بالقضاء بغداد في سنة (166هـ = 782م) وتولى فيها القضاء في عهد الخليفة العباسي “المهدي”، والخليفة العادي وبلغ الغاية في عهد الخليفة “هارون الرشيد” حيث تولى منصب قاضي القضاة، وهو منصب استُحدث لأول مرة في تاريخ القضاء الإسلامي ، وشاءت الأقدار أن يكون أبو يوسف هو أول من يشغله في التاريخ الإسلامي فيكون أول من عين قاضي القضاة في الإسلام.
وقد أتاح هذا المنصب الجليل والمرتبة العالية التي تحققت لأبي يوسف في الدولة العباسية أن ينشر مذهبه وفقه شيخه أبي حنيفة، حيث جعله الفقه الرسمي بالقضاء والإفتاء والتدوين، والمذهب المستند إليه في الأحكام القضائية.
وقد أتاح للمذهب الذيوع والانتشار بين الناس، وصقله عمليًا، أن القضاء فيه مواجهة لمشاكل الناس، ووضْع طرق لمعالجتها، ووقوف على الشئون العامة، ومن ثم مكّن أبو يوسف للمذهب الحنفي بأن يسود ويعم بتعيين أتباعه في كراسي القضاء، حيث كان يناط به تعيينهم في الولايات والإشراف عليهم ومراقبة أعمالهم القضائية وعزلهم ؛ باعتباره قاضي القضاة والقاضي الأول في الدولة العباسية والذي يعتبر حاليا بمرتبة وزير العدل .
وقد بقى في منصب قاضي القضاة حتى توفى سنة 182هـ.
أبو يوسف والرشيد وكتاب الخراج
ارتبط أبو يوسف بعلاقة وثيقة مع الخليفة الرشيد، وتبوأ عنده مكانة عظيمة ومرتبة عالية لم يصل إليها أحداً مثله، فكان يؤاكله ويحج معه ويؤمه ويعلمه.. كتب له في كتاب “الخراج”: “وقد كتبت لك ما أمرت وشرحته لك وبينته فتفقهه وتدبره، وردد قراءته حتى تحفظه، فإني قد اجتهدت لك في ذلك ولم آلك والمسلمين نصحا”.
وهذا الكتاب الذي يعد من أعظم كتب الفقه الإسلامي، كان استجابة لرسالة من الرشيد إلى قاضيه أبي يوسف في أن يضع له كتابا في مالية الدولة وفق أحكام الشرع الحنيف، وقد تضمن الكتاب بيانا بموارد الدولة على اختلافها، حسبما جاءت به الشريعة، ومصارف تلك الأموال، وتطرّق إلى بيان الطريقة المثلى لجمع تلك الأموال، وتعرض لبعض الواجبات التي يلزم بيت المال القيام بها.. وهو ما أغفله بعض الولاة.
والكتاب وثيقة تاريخية مهمة في تصوير بعض الأحوال المالية والاجتماعية في هذا العصر، فهو يندد ببعض ممارسات بعض الولاة مع أهل الخراج، حيث يطالبونهم بما ليس واجبا عليهم من أموال، ويشتطون في تحصليها.
ويقترح أبو يوسف في “الخراج” على الخليفة أن يجلس للنظر في مظالم الرعية مجلسا واحدا في الشهر أو الشهرين، يسمع فيه من المظلوم، وينكر على الظالم؛ حتى ينتهي الولاة عن ظلم رعيتهم، كما حثّه على أن يجيب مطالب المزارعين وأهل الخراج في كل ما فيه مصلحة لهم، كحفر الأنهار. ويلتزم بيت المال بالإنفاق على تلك المشروعات.. وخلاصة القول إن أبا يوسف وضع نظاما شاملا للخراج يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية.
وقد قسم الكتاب إلى عشرة أبواب كانت على التوالي:
1- في معنى الخراج.
2- فيما ورد في السنة في ذكر الخراج.
3- في أصل وضع الخراج.
4- فيما يوضع عليه الخراج من الأرضين.
5- في الخراج هل هو أجرة أو ثمن أو جزية.
6- فيما وضع عليه عمر الخراج من الأرض ثم عقد فصلاً في تقسيم أرض العنوة.
7- في مقدار الخراج.
8- في حكم تصرفات أرباب الأرض الخراجية فيها.
9- في حكم تصرفات الإمام في أرض العنوة.
10- في حكم حال الخراج ومصارفه
أبو يوسف المفكر الإقتصادي
يعتبر الإمام أبى يوسف أحد أبرز الشخصيات الاقتصادية في الإسلام في الرعيل الأول حيث بلغت شهرته جميع أقطار الدولة الإسلامية من حيث انه صاحب أبي حنيفة وتلميذه النجيب وناشر مذهبه في الأقطار الإسلامي من جهة ولكونه يشغل ثاني أكبر المناصب في الدولة إرتباطاً بالعامة والخاصة وذلك منصب قاضي القضاة من جهة ثانية ومن جهة ثالثة أنه واضع كتاب الخراج والذي يعد أول أسس الإقتصاد الإسلامي
وهو احد مصادر الإيرادات العامة في الدولة الإسلامية، فقد ضمنه كثيراً من الأفكار الاقتصادية سواء ما يتعلق بالاقتصاد العام أو الاقتصاد الخاص .
وكان رائداً للاقتصاد لم يسبقه احد من العلماء . منها تغيير القيمة الحقيقية للنقود وما ينبغي عمله في تلك الحالة . تجاه عقود الائتمان التجاري وغيره .
ومسألة الاحتكار ومدى شموله لمختلف السلع.
ويعتبر قد رسم الخطة العامة للسياسة الاقتصادية للدولة التي يجب ان تسير عليها الدولة العباسية خلال حكمها في جميع الأقاليم, فقد تكلم فيه عن النفقات الاستثمارية كحفر الترع وتعبيد الطرق وإقامة القناطر والسدود وكري لانهار.
وبحث دراسة جدية موضوعية للمشروعات على المستوى القومي وضرورة ان يكون هناك علماء متخصصون ذوي كفاءة وامانة .
ووضع قاعدة للنفقات العامة . وقد وضح صور الاستثمار المتاحة أمام الفرد خاصة في القطاع الزراعي في التسويق والتبادل وقد بحث في المزارعة والإجارة في الأرض .
أبو يوسف مجتهدا
يتفق المؤرخون في أن أبا يوسف يعد صاحب الفضل الأكبر في نشر المذهب الحنفي، وأنه كان من أفقه أهل عصره، فهو أول من وضع في أصول الفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة، وأملى المسائل، وبث علم الإمام في أقطار الأرض.
ومع اتصاله بأبي حنيفة اتصال التلميذ بالأستاذ، وأخذه الفقه عنه.. فإنه خالف إمامه في مسائل متعددة، واستقل في تفكيره عنه؛ ولذا عدّه بعض العلماء من المجتهدين المستقلين الذين يستخرجون الأحكام من الكتاب والسنة وليسوا تابعين لأحد في اجتهادهم، كالأئمة الأربعة.
مؤلفات الإمام أبي يوسف
ولأبي يوسف كتب كثيرة دوّن فيها آراءه وآراء شيخه، ذكرها ابن النديم في “الفهرست”، فقال: ولأبي يوسف من الكتب في الأصول والأمالي والنوادر: كتاب الصلاة، كتاب الزكاة ، كتاب الصيام، كتاب الفرائض، كتاب البيوع، كتاب الحدود.
وله أيضا كتاب أدب القاضي وكتاب الذكر والدعاء وكتاب الأثر وكتاب… غير أن أشهر كتبه هي:
1- كتاب الخراج، الذي سبق وأن تحدثنا عنه.
2- كتاب الآثار، وهو مسند لأبي حنيفة رواه أبو يوسف عنه، ويضم طائفة من الأحاديث التي اعتمد عليها أبو حنيفة في بعض ما استنبطه من أحكام وفتاوى، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من فتاوى التابعين من فقهاء الكوفة والعراق.
3- كتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلي، وهو كتاب جمع فيه أبو يوسف مسائل اختلف فيها أبو حنيفة مع ابن أبي ليلى الفقيه الكوفي المعروف، وهو يصور ما كان يجري بين علماء ذلك العصر من دراسة عميقة للمسائل المختلفة، وعُنِي أبو يوسف فيه بذكر آراء المختلفين مدعومة بالدليل، وإن كان ينتصر كثيرا لآراء شيخه أبي حنيفة”.
4- كتاب الرد على سير الأوزاعي وفي هذا الكتاب يرد أبو يوسف على الأوزاعي فيما خالف فيه أبا حنيفة من أحكام الحروب، وما يتصل بها من الأمان والهدنة والأسلاب والغنائم، وينتصر لشيخه على الأوزاعي في هذه المسائل وما يتصل بها.
وفاته
توفي الإمام أبى يوسف في 5 من ربيع الأول 182 هـ= 21 من إبريل 798م وصلى عليه الخليفة هارون الرشيد، وأمر بدفنه في مقابر قريش، وسمعه السامع يوم مات يقول: اللهم إنك تعلم أنني لم أَجُر في حكم حكمت فيه بين اثنين من عبادك تعمدًا، وقد اجتهدت في الحكم بما وافق كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
مع تحيات اخوكم ابو جاسم محمد عندالله الانصاري
مدير بوابة الانصار العالمية
( 5113هـ الموافق731م – ربيع الأول 182 هـ.)
ازدهر الفقه الإسلامي في مطلع العصر العباسي ازدهارا عظيما، واتسعت دائرته وتكونت مدارسة المختلفة، وزادت ثروته وأصبح عِلما قائما بذاته، وتخصص له أعلام شهد لهم التاريخ بالنبوغ والإبداع، ودُوّنت أصوله، وظهرت قواعد الاستنباط، وقوانين الاجتهاد التي يلتزمها الفقهاء، ومن يريد استنباط الأحكام من أدلة الشرع الحنيف.
وامتاز العصر العباسي بظهور عدد من الفقهاء النابغين، ذاع صِيتهم وانتشر فقههم، وصار لهم أتباع وتلاميذ ينشرون علمهم، وينتصرون لهم، ويدعون لمذهبهم بين الناس، وكان الإمام أبو يوسف أبرز تلاميذ الإمام أبي حنيفة النعمان مؤسس المذهب الحنفي، الذين قاموا بجهد هائل في نشر مذهب الحنفية ووضع أصوله.
أسمه ونسبه
هو الإمام المجتهد العلامة المحدث قاضي القضاة ، أبو يوسف ، يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن حبيش بن سعد بن بُجَير بن معاوية الأنصاري الكوفي . وسعد بن بجير له صحبة ، وهو سعد ابن حبْتَة ، وهي أمه ، وهو بجلي من حلفاء الأنصار ، شهد الخندق وغيرها
مولده ونشأته
ولد الإمام أبى يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري في الكوفة سنة (113هـ=731م)، وبها نشأ وتعلم .
طلبه للعلم وشيوخه
اتجه أبى يوسف مبكرا إلى دراسة الحديث، فسمع من أبى إسحاق الشيباني، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وهشام بن عروة، وعطاء بن السائب، وسليمان التيمي, والأعمش وحجاج بن ارطأة , ودرس المغازي على يد شيخه محمد بن إسحاق، صاحب السيرة النبوية المعروفة باسمه، ثم تتلمذ على يد عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه الكوفي المعروف، ثم اتصل بالإمام أبي حنيفة ولازم حلقته ودروسه، غير أنه أحيانا كان ينقطع عنها؛ لاضطراره أن يعمل حتى يواجه نفقات الحياة، كان أبوه فقيرا ، له حانوت ضعيف ، فلما رأى أبو حنيفة ذلك وأحزنه أن تصرف ضرورات العيش تلميذه النجيب عن طلب العلم؛ تكفله بالعيش، وأمدّه بماله حتى يفرغ تماما للدراسة, فكان أبو حنيفة يتعاهد أبا يوسف, بالدراهم ، مائة بعد مائة .
وصُنْع أبي حنيفة مع تلميذه أبي يوسف خليق بالإعجاب والتقدير، فهو يتحمل أعباءه المالية كما يتحمل أعباء تعليمه وتهذيبه، ويسوّي بينه وبين ولده في الإنفاق والتهذيب، وإذا كان التاريخ لا يعتد بما خلّفه أبو حنيفة من أموال وعقار، فإنه يفخر بما أنجب من تلاميذ، ملئوا الدنيا علمًا وفقهًا، وحسبك من أستاذ يكون بين تلاميذه: أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن الشيباني،وزفر , والحسن بن زياد.
روى علي بن حرملة التيمي عنه ، قال : كنت أطلب العلم وأنا مقل ، فجاء أبي فقال : يا بني لا تمدن رجلك مع أبي حنيفة ، فأنت محتاج ، فآثرت طاعة أبي ، فأعطاني أبو حنيفة مائة درهم ، وقال : الزم الحلقة ، فإذا نفذت هذه ، فأعلمني , ثم بعد أيام أعطاني مائة , ويقال : إنه رُبِّي يتيما ، فأسلمته أمه قصارا .
ورغم أنه قد صحب الإمام أبى حنيفة بن ثابت النعمان سبع عشرة سنة ولزم مجلسه وتأثر بمبادئه في الفقه وقد انفق عليه حتى يتفرغ للعلم . وكان الغالب عليه مذهب ابي حنيفة وان خالفه في مواضع كثيرة وانفرد ببعض آرائه عنه، واجتهاداته , إلا أن أبا يوسف لم يكتف بما حصله من علم أبي حنيفة، فرحل إلى المدينة المنورة، واتصل بعالمها المبرز الإمام مالك بن أنس رضى الله عنه ، فأخذ عنه الحديث والفقه، ووجد منهجًا يختلف عن منهج إمامه أبي حنيفة، فوازن بينهما وقارن، وجادل شيخه وحاجّه، ثم رجع إلى العراق مزودًا بعلم أهل المدينة، فجمع بين المدرستين: مدرسة الأثر في المدينة، ومدرسة الرأي في العراق، وقرّب بينهما، وساعده على ذلك اشتغاله برواية الحديث.
وقد حدث عن : هشام بن عروة ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وعطاء بن السائب ، ويزيد بن أبي زياد ، وأبي إسحاق الشيباني ، وعبيد الله بن عمر ، والأعمش ، وحجاج بن أرطاة ، وأبي حنيفه ، ولزمه وتفقه به ، وهو أنبل تلامذته ، وأعلمهم ، تخرج به أئمة كمحمد بن الحسن ، ومعلى بن منصور ، وهلال الرأي ، وابن سماعة ، وعدة .
تلاميذه
حدث عنه جماعة كثيرة منهم محمد بن الحسن الشيباني الحنفي وبشر بن الوليد ويحيى بن معين ، وأحمد بن حنبل ، وعلي بن الجعد ، وأسد بن الفرات ، وأحمد بن منيع ، وعلى بن مسلم الطوسي ، وعمرو بن أبي عمرو الحراني ، وعمرو الناقد ، وعدد كثير .
توليه منصب قاضي القضاة
روي عن أبي حنيفة أنه قال عن تلاميذه: أصحابنا ستة وثلاثون رجلا ، ثمانية وعشرون يصلحون للقضاء، وفيهم ستة يصلحون للفتوى، وفيهم اثنان يصلحان لتأديب القضاة وأصحاب الفتوى، وأشار إلى أبي يوسف، وزفر.
وحين استشار الإمام أبو حنيفة تلميذه أبا يوسف في قبول وظيفة القضاء ونصحه أبو يوسف بالقبول، قال له شيخه: لكأني بك قاضيا، وهي النبوءة التي قال عنها هارون الرشيد فيما بعد: إن أبا حنيفة كان ينظر بعين عقله ما لا يراه بعين رأسه.
فقد سكن أبو يوسف بالقضاء بغداد في سنة (166هـ = 782م) وتولى فيها القضاء في عهد الخليفة العباسي “المهدي”، والخليفة العادي وبلغ الغاية في عهد الخليفة “هارون الرشيد” حيث تولى منصب قاضي القضاة، وهو منصب استُحدث لأول مرة في تاريخ القضاء الإسلامي ، وشاءت الأقدار أن يكون أبو يوسف هو أول من يشغله في التاريخ الإسلامي فيكون أول من عين قاضي القضاة في الإسلام.
وقد أتاح هذا المنصب الجليل والمرتبة العالية التي تحققت لأبي يوسف في الدولة العباسية أن ينشر مذهبه وفقه شيخه أبي حنيفة، حيث جعله الفقه الرسمي بالقضاء والإفتاء والتدوين، والمذهب المستند إليه في الأحكام القضائية.
وقد أتاح للمذهب الذيوع والانتشار بين الناس، وصقله عمليًا، أن القضاء فيه مواجهة لمشاكل الناس، ووضْع طرق لمعالجتها، ووقوف على الشئون العامة، ومن ثم مكّن أبو يوسف للمذهب الحنفي بأن يسود ويعم بتعيين أتباعه في كراسي القضاء، حيث كان يناط به تعيينهم في الولايات والإشراف عليهم ومراقبة أعمالهم القضائية وعزلهم ؛ باعتباره قاضي القضاة والقاضي الأول في الدولة العباسية والذي يعتبر حاليا بمرتبة وزير العدل .
وقد بقى في منصب قاضي القضاة حتى توفى سنة 182هـ.
أبو يوسف والرشيد وكتاب الخراج
ارتبط أبو يوسف بعلاقة وثيقة مع الخليفة الرشيد، وتبوأ عنده مكانة عظيمة ومرتبة عالية لم يصل إليها أحداً مثله، فكان يؤاكله ويحج معه ويؤمه ويعلمه.. كتب له في كتاب “الخراج”: “وقد كتبت لك ما أمرت وشرحته لك وبينته فتفقهه وتدبره، وردد قراءته حتى تحفظه، فإني قد اجتهدت لك في ذلك ولم آلك والمسلمين نصحا”.
وهذا الكتاب الذي يعد من أعظم كتب الفقه الإسلامي، كان استجابة لرسالة من الرشيد إلى قاضيه أبي يوسف في أن يضع له كتابا في مالية الدولة وفق أحكام الشرع الحنيف، وقد تضمن الكتاب بيانا بموارد الدولة على اختلافها، حسبما جاءت به الشريعة، ومصارف تلك الأموال، وتطرّق إلى بيان الطريقة المثلى لجمع تلك الأموال، وتعرض لبعض الواجبات التي يلزم بيت المال القيام بها.. وهو ما أغفله بعض الولاة.
والكتاب وثيقة تاريخية مهمة في تصوير بعض الأحوال المالية والاجتماعية في هذا العصر، فهو يندد ببعض ممارسات بعض الولاة مع أهل الخراج، حيث يطالبونهم بما ليس واجبا عليهم من أموال، ويشتطون في تحصليها.
ويقترح أبو يوسف في “الخراج” على الخليفة أن يجلس للنظر في مظالم الرعية مجلسا واحدا في الشهر أو الشهرين، يسمع فيه من المظلوم، وينكر على الظالم؛ حتى ينتهي الولاة عن ظلم رعيتهم، كما حثّه على أن يجيب مطالب المزارعين وأهل الخراج في كل ما فيه مصلحة لهم، كحفر الأنهار. ويلتزم بيت المال بالإنفاق على تلك المشروعات.. وخلاصة القول إن أبا يوسف وضع نظاما شاملا للخراج يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية.
وقد قسم الكتاب إلى عشرة أبواب كانت على التوالي:
1- في معنى الخراج.
2- فيما ورد في السنة في ذكر الخراج.
3- في أصل وضع الخراج.
4- فيما يوضع عليه الخراج من الأرضين.
5- في الخراج هل هو أجرة أو ثمن أو جزية.
6- فيما وضع عليه عمر الخراج من الأرض ثم عقد فصلاً في تقسيم أرض العنوة.
7- في مقدار الخراج.
8- في حكم تصرفات أرباب الأرض الخراجية فيها.
9- في حكم تصرفات الإمام في أرض العنوة.
10- في حكم حال الخراج ومصارفه
أبو يوسف المفكر الإقتصادي
يعتبر الإمام أبى يوسف أحد أبرز الشخصيات الاقتصادية في الإسلام في الرعيل الأول حيث بلغت شهرته جميع أقطار الدولة الإسلامية من حيث انه صاحب أبي حنيفة وتلميذه النجيب وناشر مذهبه في الأقطار الإسلامي من جهة ولكونه يشغل ثاني أكبر المناصب في الدولة إرتباطاً بالعامة والخاصة وذلك منصب قاضي القضاة من جهة ثانية ومن جهة ثالثة أنه واضع كتاب الخراج والذي يعد أول أسس الإقتصاد الإسلامي
وهو احد مصادر الإيرادات العامة في الدولة الإسلامية، فقد ضمنه كثيراً من الأفكار الاقتصادية سواء ما يتعلق بالاقتصاد العام أو الاقتصاد الخاص .
وكان رائداً للاقتصاد لم يسبقه احد من العلماء . منها تغيير القيمة الحقيقية للنقود وما ينبغي عمله في تلك الحالة . تجاه عقود الائتمان التجاري وغيره .
ومسألة الاحتكار ومدى شموله لمختلف السلع.
ويعتبر قد رسم الخطة العامة للسياسة الاقتصادية للدولة التي يجب ان تسير عليها الدولة العباسية خلال حكمها في جميع الأقاليم, فقد تكلم فيه عن النفقات الاستثمارية كحفر الترع وتعبيد الطرق وإقامة القناطر والسدود وكري لانهار.
وبحث دراسة جدية موضوعية للمشروعات على المستوى القومي وضرورة ان يكون هناك علماء متخصصون ذوي كفاءة وامانة .
ووضع قاعدة للنفقات العامة . وقد وضح صور الاستثمار المتاحة أمام الفرد خاصة في القطاع الزراعي في التسويق والتبادل وقد بحث في المزارعة والإجارة في الأرض .
أبو يوسف مجتهدا
يتفق المؤرخون في أن أبا يوسف يعد صاحب الفضل الأكبر في نشر المذهب الحنفي، وأنه كان من أفقه أهل عصره، فهو أول من وضع في أصول الفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة، وأملى المسائل، وبث علم الإمام في أقطار الأرض.
ومع اتصاله بأبي حنيفة اتصال التلميذ بالأستاذ، وأخذه الفقه عنه.. فإنه خالف إمامه في مسائل متعددة، واستقل في تفكيره عنه؛ ولذا عدّه بعض العلماء من المجتهدين المستقلين الذين يستخرجون الأحكام من الكتاب والسنة وليسوا تابعين لأحد في اجتهادهم، كالأئمة الأربعة.
مؤلفات الإمام أبي يوسف
ولأبي يوسف كتب كثيرة دوّن فيها آراءه وآراء شيخه، ذكرها ابن النديم في “الفهرست”، فقال: ولأبي يوسف من الكتب في الأصول والأمالي والنوادر: كتاب الصلاة، كتاب الزكاة ، كتاب الصيام، كتاب الفرائض، كتاب البيوع، كتاب الحدود.
وله أيضا كتاب أدب القاضي وكتاب الذكر والدعاء وكتاب الأثر وكتاب… غير أن أشهر كتبه هي:
1- كتاب الخراج، الذي سبق وأن تحدثنا عنه.
2- كتاب الآثار، وهو مسند لأبي حنيفة رواه أبو يوسف عنه، ويضم طائفة من الأحاديث التي اعتمد عليها أبو حنيفة في بعض ما استنبطه من أحكام وفتاوى، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من فتاوى التابعين من فقهاء الكوفة والعراق.
3- كتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلي، وهو كتاب جمع فيه أبو يوسف مسائل اختلف فيها أبو حنيفة مع ابن أبي ليلى الفقيه الكوفي المعروف، وهو يصور ما كان يجري بين علماء ذلك العصر من دراسة عميقة للمسائل المختلفة، وعُنِي أبو يوسف فيه بذكر آراء المختلفين مدعومة بالدليل، وإن كان ينتصر كثيرا لآراء شيخه أبي حنيفة”.
4- كتاب الرد على سير الأوزاعي وفي هذا الكتاب يرد أبو يوسف على الأوزاعي فيما خالف فيه أبا حنيفة من أحكام الحروب، وما يتصل بها من الأمان والهدنة والأسلاب والغنائم، وينتصر لشيخه على الأوزاعي في هذه المسائل وما يتصل بها.
وفاته
توفي الإمام أبى يوسف في 5 من ربيع الأول 182 هـ= 21 من إبريل 798م وصلى عليه الخليفة هارون الرشيد، وأمر بدفنه في مقابر قريش، وسمعه السامع يوم مات يقول: اللهم إنك تعلم أنني لم أَجُر في حكم حكمت فيه بين اثنين من عبادك تعمدًا، وقد اجتهدت في الحكم بما وافق كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
مع تحيات اخوكم ابو جاسم محمد عندالله الانصاري
مدير بوابة الانصار العالمية