أخبار عاجلة

الشيخ الفقيه الكاتب ابن خاتمة الانصاري المري الاندلسي

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين

وبعد

ابن خاتمة الأنصاري

نسبته وولادته:
هو الشيخ الفقيه الكاتب أبو جعفر أحمد بن علي ابن محمد بن خاتمة الأنصاري المريني. ولد بمدينة المرية عام 734 هـ (1333 م) الواقعة جنوب شرق الأندلس، وبها حفظ القرآن الكريم، وقرأ علوم العربية والدين على أساتذة العصر المشهورين ببلده، وتردد منذ صباه على بعض المدن الأندلسية ولا سيما غرناطة العاصمة، التي أدرك بها يومئذ نخبة من علمائها الأجلاء، فأخذ عنهم وأجازوه …

حــالــه:
يعتبر ابن خاتمة من أدباء عصره المعروفين، وشعرائها المعدودين؛ فقد أشار اليه صديقه ومعاصره لسان الدين ابن الخطيب في (( الاحاطة))، واصفا اياه بأنه (( صدر يشار إليه، متفنن مشارك، قوي الإدراك، سديد النظر، قوي الذهن، جيد القريحة(1) )).
كما عقد له الأمير اسماعيل ابن الأحمر ترجمة في كتابه (( نثير فرائد الجمان، في نظم فحول الزمان)) منوها بملكته الشعرية، مشيرا إلى مشاركته في الفنون الأدبية الأخرى، وكان قد أدركه، يقول عنه انه (( فارس الكتيبة الشعرية، وعالم القلة الأشعرية. ورب المدح المبرأ من القدح، وزند الإدراك لما ورى القدح. والمرسل لنحو العى من الافصاح بالسرية، المتكلم في فنون العموم بتحقيق النفس السرية. وبه افتخرت المرية؛ اذ ذاته ـ بحسن الثناء ـ هي الحرية. وكتب عن اهل بلده للسلطان، فبرز في الكتب بتلك الأوطان(2) )). ويشير ابن الاحمر بعبارته الأخيرة إلى مؤلف ابن خاتمة المشهور عن مسقط رأسه، والذي أسماه: (( مزية المرية على غيرها من البلاد الأندلسية))، وقد ذكر المقري في روايته عن هذا الكتاب مما جاء فيه انه كان بهذه المدينة ـ في الميدان الصناعي والتجاري ـ حوالي 800 نول لطرز الحرير، 100 نول للحلل النفيسة والديباج، وأمثال هذا العدد مكرر لأنواع أخرى من هذه الصناعة، كالستر المكللة ونحوها، كما اشار المقري عن نفس المصدر أنه كانت تصنع بالمدينة صنوف مختلفة من آلات الحديد والنحاس والزجاج مما لا يكاد يوصف، ثم أضاف قائلا: (( انه لم يكن في بلاد الأندلس أكثر مالا من أهل المرية، ولا أعظم متاجر ولا ذخائر، وأنه كانت بها دار للصناعة (3) )).
هذا، وقد أوقف ابن خاتمة جزءا من حياته على التدريس ببلده أولا، ثم بالمدرسة اليوسفية التي أنشأها السلطان يوسف الأول ابن الأحمر في العاصمة ( 733 ـ 755 هـ/ 1333 ـ1354 م) والتي تخرج فيها جمهرة من العلماء والأدباء، بحيث أعادت هذه المدرسة يومئذ الى الأذهان ما كانت عليه جامعة قرطبة إبان الحكم الأموي (138 ـ 399 هـ/ 755 ـ 1008 م).

 بين ابن الخطيب وابن خاتمة:
وتجدر الاشارة في هذه المناسبة الى ان الوزير لسان الدين ابن الخطيب ( 713 ـ 776 هـ) حينما عقد النية على مغادرة الأندلس، التمس الى سلطانه الغني بالله محمد الخامس ان يسمح له بالسفر الى المغرب، ثم الى الحج ان تيسر له، بعد أن ضاق ذرعا بأحوال المملكة يومئذ، بسبب سعاية الوشاة من حساده ومنافسه، فأثار عزمه هذا جزع الكثيرين من أصدقائه الخواص، وفي مقدمة هؤلاء الكاتب الكبير ابن خاتمة الأنصاري، فكتب الى ابن الخطيب من المرية رسالة مؤثرة، يحاول فيها أن يثنه عن عزمه، وان يقنعه بضرورة البقاء في وطنه، وفيها يقول مخاطبا إياه:
(( … والى هذا يا سيدي، ومحل تعظيمي وإجلالي، أمتع الله الوجود بطول بقائكم، وضاعف في العز درجات ارتقائكم، فانه من الأمر الذي لم يغب عن رأي المقول، ولا اختلف فيه أرباب المحسوس والمعقول، إنكم بهذه الجزيرة شمس أفقها، وتاج مفرقها، وواسطة سلكها، وطراز ملكها، وقلادة نحرها، وفريدة دهرها، وعقد جيدها المنصوص، وكمال زينتها على المعلوم والمخصوص. ثم أنتم مدار أفلاكها، وسر سياسة أملاكها، وترجمان بيانها، ولسان إحسانها، وطبيب مارستانها، والذي عليه عقد إدارتها، وبه قوام إمارتها. فلديه يحل المشكل، واليه يلجأ في الأمر المعضل، فلا غرو أن تتقيد بكم الأسماع والأبصار، وتحدق بكم الأذهان والأفكار (4) ))، وكان ابن خاتمة قد لاحظ حقا رغبة ابن الخطيب في أن يلقي عصا التسيار بالمغرب، وأنه سيستقر فيه نهائيا حتى ولو ذهب إلى الحرمين ثم أدى الفريضة، لذلك علق ابن خاتمة على رغبةابن الخطيب في رسالته المشار إليها بقوله:
(( ومتى توازن الأندلس والمغرب، أو يعوض عنها الا بمكة او يترب. ما تحت أديمها أشلاء أولياء وعباد، وما فوقه مرابط جهاد، ومعاقد ألوية في سبيل الله ومضارب أوتاد. ثم يبوأ ولده مبوأ أجداده، ويجمع له بين طرافه وتلاده. أعيد أنظاركم المسددة من رأى فائل، ومعنى طويل لم يحل منه بطائل. فحسبكم من هذا الإياب السعيد، والعود الحميد)).
وقد أجاب ابن الخطيب صديقه برسالة تفيض بلاغة؛ استعرض فيها ماضيه وحاضره، وأنه اليوم وقد أشرف على المشيب ـ قد عاف مباهج الحياة، ويرغب في الانزواء والعبادة، ثم يقول:
(( والله قد عوض الدنيا بمحبته، فإذا راجعها مثلي من بعد الفراق، وقد رقى لدغتها الف راق، وجمعتني بها الحجرة، ما الذي تكون الأجرة … إني إلى الله تعالى مهاجر، وللعرض الأدنى هاجر، ولأظعان السرى زاجر)).
ثم يختتم رسالته بقوله: (( .. لكني للحرمين جنحت، وفي جو الشوق إليها سرحت، فقد أفضت الى طريق قصدي محجته، ونصرتني ـ والمنة لله ـ حجته. وقصد سيدي أسنى قصد، توخاه الشكر والحمد … ، والآمال ـ والحمد لله ـ بعد تمتار، والله يخلق ما يشاء ويختار. ودعاؤه بظهر الغيب مدد، وعدة وعدد، وبره حالي الظعن والإقامة معتمل معتمد، ومجال المعرفة ـ بفضله ـ لا يحصره احد. والسلام (5) )).
ويرجع تاريخ هذه الرسالة ( الجواب) إلى ثاني عشر شعبان سنة 770 هـ وهو تاريخ يقارب الى الوراء قليلا تاريخ رسالة ابن خاتمة، التي نستنتج منها مبلغ  الصداقة التي كانت تربطه بابن الخطيب، ومقدار حرصه على بقاء مسؤل مثله في مواقع القيادة بالاندلس، كما نستنبط من رسالة ابن الخطيب مدى مكانة ابن خاتمة لديه كأستاذ وأديب أثير ..

ابن خاتمة والوباء الكبير :

لقد حل بالأندلس على عصر  ابن خاتمة خطب عظيم، ونكبة مروعة، ذلكم هو الوباء الخطير (الطاعون الجارف) الذي اجتاح المشرق والمغرب على السواء، وتفشى في منطقة البحر الأبيض المتوسط عام 749 ـ 750 هـ ( 1347 ـ 1348 م) وسقطت جمهرة عظيمة من اهل الاندلس بسببه، في مقدمتهم مشاهير من رجالات السياسة والعلم والأدب، من أمثال الرئيس أبي الحسن علي بن الجياب، والقاضي أحمد بن محمد ابن برطال، الذي توفى ـ رحمه الله ـ في مالقة ليلة الجمعة 5 صفر عام 750 هـ، وخرجت جنازته في اليوم التالي في ركب من الأموات يناهز الالف وينيف بمائتين. واستمر ذلك الوباء مدة (6).
وقد تحدث عن هذا الوباء ـ ضمن من تحدثوا ـ ابن خاتمة الأنصاري، حيث وصف عصف الطاعون بثغر(( المرية))، وذلك في رسالة أسماها (( تحصيل غرض القاصد، في تفصيل المرض الوافد)) ، وهي مخطوطة بمكتبة الاسكوريات، وتوجد ضمن مجموعة خطية تحت رقم 1785 من فهرست الغزيري.
نماذج من شعره:
قال في الحكم :
هو الدهر لا يبقى على عائد به
فمن شاء عيشا يصطبر لنوائبه
فمن لم يصب في نفسه فمصابه
بفوت أمانيه وفقد حبائبه
ومن قوله العذب في الغزل:
فيك الحديث ومورد الانشاد
ولك الخطاب اذا أراد الشادي
ومنهـــا :
يا سالكا بالحسن مسلك آمن
طرح اللحاظ خلال ذاك الوادي
أياك، وأحذر من عيون ظبائه
فلقد سطت عدوا على الآساد
أن العيون به قواض، والطى (7)
بيض مراض، والظباء عواد
ومن النواظر أسعد لكنها
بقدودها محروسة بصعاد (8)
اني أمرؤ ما زلت أحذر بأسها
لكن على حذر سلبت فؤادي
يا سرحة الوادي وظلك وارق
من لي بجعلي أفوديك وسادي (9)
ولابن خاتمة ديوان شعر.
توفي رحمه الله في 9 شعبان عام 770 هـ، حيث دفن بمسقط رأسه (المرية) (10).

اخوكم ومحبكم ابو جاسم محمد عندالله الانصاري

شاهد أيضاً

حصول الاستاذ محمدفاضل ولد عبداللطيف البصادي الأنصاري،بجائزة نجيب محفوظ لأفضل رواية عربية عن روايته كتاب الردة“.

#الإعلامي_والروائي_والشاعر_محمد_فاضل_ولد_عبد_اللطيف_البصادي_الأنصاري اعلن المجلس الأعلى للثقافة يوم امس الخميس عن فوز الروائي والشاعر الموريتاني: #محمد_فاضل_ولد_عبداللطيف_البصادي_الأنصاري،#بجائزة_نجيب_محفوظ_لأفضل_رواية_عربية_عن_روايته_كتاب_الردة“. وكتب …

اترك تعليقاً