أخر المستجدات
الصحابي الجليل الحارث بن ربعي السلمي الانصاري رضي الله عنه

الصحابي الجليل الحارث بن ربعي السلمي الانصاري رضي الله عنه

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين

وبعد

الحارث بن ربعي السلمي

التفاصيلالحَارِثُ بن رِبْعِي بن بَلْدَمة أبو قتادة الأنصاري الخزرجي، من بني سلمة:
فارس رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وقيل: اسمه النُّعمَان؛ قاله ابن إسحاق وهشام بن الكلبي، وقال أبو عمر: يقولون: بلدمة بالفتح، وبلذمة، بالذال المعجمة والضم، وهو مشهور بكنيته، وأهله يقولون اسمه النّعمان بن عمرو بن بُلْدُمة، وقال عبد الله بن محمّد بن عُمارة الأنصاري، ومحمد بن عمر: اسمه النعمان بن ربعي، وقال يحيى بن يونس: هو اسم أَبي قتادة الأَنصاري مما يُروَى عن ولده، وقال الواقدي، والهيثم بن عدي: اسمه عمرو بن ربعي، وقيل: النعمان بن عمر، أَخرجه أَبو عمر، وأَبو نعيم، وأَبو موسى.
أُمُّهُ كبشة بنت مُطهَّر بن حرام من بني سلمة، وَلَدَ أبو قتادة: عبدَ الله وعبدَ الرحمن، وأُمُّهُما سُلَافَة بنت البَرَاءِ بن مَعْرُور من بني سَلِمة، وثابتًا وعبيدًا وأُمَّ البنين، وأُمُّهُم أم ولدٍ، وأُمَّ أبانَ وأُمُّها من الأزد، وقال عثمان بن عبيد الله: رأيت أبا قتادة يُصَفِّرُ لحيته ونحن في الكتاب، وقال همام بن يحيى: أن أبا قتادة كان لبس الخَزّ.
شهد أبو قتادة أُحُدًا، والخندقَ، وما بعد ذلك من المشاهِد مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، واختلف في شهوده بَدْرًا، فقال بعضهم: كان بدريًا، ولم يذكره ابن عقبة، ولا ابن إسحاق في البدريين، روى مصعب بن ثابت بن عبد الله بن أبي قتادة، حدثني أبي عبد الرحمن، عن أبيه مصعب، عن أبيه ثابت، عن أبيه عبد الله، عن أبيه أبي قتادة ــ أنه حرس النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم ليلةَ بدر؛ فقال: “اللَّهُمَّ احْفَظَ أَبَا قَتَادَةَ كَمَا حفِظَ نَبِيُّكَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ”(*)، وفي رواية أخرى عن أبي قتادة: انحاز المشركون على لقاح رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم فأدركتهم فقتلتُ مسعدة؛ فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حين رآني: “أَفْلَحَ الوَجْهُ”(*)، وفي رواية أخرى عن أبي قتادة: كنت مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في بعض أسفاره إذ مال عن راحلته؛ قال: فدعمته فاستيقظ ــ فذكر الحديث؛ وفيه: “حَفِظَكَ الله كَمَا حَفِظت نَبِيَّهُ”. أخرجه مُسْلِمٌ مطوَّلًا، وفيه نومهم عن الصلاة وفيه: “لَيْسَ التَّفْرِيطُ في النَّوْمِ”. وفي آخره: “إِنَّ سَاقِي القَوْمَ آخِرُهُمْ شُرْبًا”(*)، وقال سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ في حديثه الطويل الذي أخرجه مسلم: “خَيْرُ فُرْسَانِنَا أَبُو قَتَادَة وخير رجالنا سلمة بن الأكوع”(*)، وقال يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة، عن أمّهِ، عن أبيه عن أبي قتادة قال: أدركني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يوم ذِي قَرَد، فنظر إليّ وقال: “اللهم بارك له في شعرِه وبَشَره”، وقال: “أَفْلَحَ وَجْهُك”! قلتُ: ووجهك يارسول الله، قال: “قَتَلْتَ مسعدة”؟ قلت: نعم، قال: “فما هذا الذي بوجهك”؟ قلت: سهم رميت به يارسول الله، قال: “فَادْن مني”، فَدَنَوْتُ منه فبصق عليه، فما ضَرَبَ عَلَيَّ قطّ ولاقَاحَ، ومات أبو قتادة وهو ابن سبعين سنة وكأنّه ابن خمس عشرة سنة(*)
قال أبو حَدْرَد الأسلَمي: بعث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أبا قَتَادَةَ سَرِيَّةً ومعه خمسة عشر رجُلًا أنا أحدهم إلى غطفان نحو نجد، وهي سَرِيَّةُ خَضِرَة، وذلك في شعبان سنة ثمان، فشددنا على الحاضر فَأَصَبْنَا سبيًا ونعمًا وشاءً(*)، وقال عبد الله بن أبي حَدْرَد، عن أبيه: لما توجه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى غزوة الفتح بعثنا سرية إلى بَطْن إِضَم، وأميرنا أبو قتادة لِيظُنَّ ظانٌّ أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يتوجه إلى تلك الناحيةِ، ولأَنْ تذهب بذلك الأخبار(*)، وقال عبد الله بن عُبيد بن عُمير: أن عمر بن الخطاب بعث أبا قَتَادَةَ فقتل ملك فارس بيده، قال: وعليه منطقةٌ ثمنها خمسة عشر ألف درهم، قال: فَنَفَّلَهَا إِيّاه عمر.
وقال محمد مولى أَبِي قَتادَة الأنصاريّ، عن أَبِي قَتَادة الأنصاري: أنه قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عام حُنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، فرأيتُ رجلًا من المشركين قد عَلا رجلًا من المسلمين، قال فاستَدَرْتُ له حتى أتيته من ورائِهِ، فضربته على حَبْلِ عاتقه، قال: وأقبل عليَّ فَضمَّني ضَمَّةً وجدت فيها ريحَ الموتِ، ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقتُ عمر بن الخطاب فقلت له: ما بالُ الناس؟ فقال: أمر الله، ثمّ إن الناس رجعوا فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: “من قتل قتيلا له عليه بيّنةٌ فله سَلبُه”، قال أبو قتادة: فقمتُ فقلتُ: من يشهدُ لي؟ ثم جلستُ، “قال: ألك بينةٌ”؟ فقمت، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:“مالك ياأبا قتادَةَ”؟ واقتصصتُ عليه القصة فقال رجلٌ من القوم: صدق يارسول الله، وسَلَبُ ذلك القتيلِ عندي، فَأَرْضِه منه فقال أبو بكر الصديق: لاَهَا الله، إذًا لا يَعْمِد إلى أَسَد من أُسْد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سَلَبه! فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: “صدق فأَعْطِه إياه”، قال أبو قَتَادة: فأعطاني إياه فَبِعْتُ الدِّرعَ فابْتَعْتُ بهِ مَخْرَفًا في بني سَلِمَةَ، فإنه لأَوَّلُ مال تَأَثَّلْتُهُ في الإسلام(*)، وفي رواية أخرى عن أبي قَتَادة: أن النبي صَلَّى الله عليه وسلم نَفَّلَ أبا قتادة سَلَبَ رجل قَتَلَهُ(*)، وفي رواية أخرى أن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال: “من قتل كافِرًا فله سَلبُه”، وقال: قال أبو قتادة يوم حنين: يارسول الله، إني ضربت رجلًا على حَبْل العاتق وعليه دِرْعٌ له فأُجْهِضْتُ عنهُ، وقد قال فأعجلت عنه، قال: فقام رجل فقال: أنا أخذتها فأرِضه منها وأعطيتها، وكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لا يُسْأَل شيئًا إلا أعطاه أو سكت ـــ فسكتَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقال عمر: لا يُضِيئُها الله على أَسَدٍ من أُسْدِهِ ويُعْطِيكَها، فضحك رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وقال: “صَدَقَ عُمَر”(*)، وفي رواية أخرى عن عبد الله بن أبي قَتَادة، عن أبيه، قال: لما كان يوم حنين ضَربتُ رجلًا بالسيفِ فقتلتهُ، فجاء رجلٌ فنزع الدرع عنه، فخاصمته إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقضى لي بها، فبعتُها من حاطب بن أبي بَلْتَعَةَ بسبع أواقٍ(*).
نزل الكوفة، وقال محمد بن سِيرِين: أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم رأى أَبَا قَتَادَةَ يُصَلِّي وَيَتَّقِي شَعْرَه، فأراد أن يَجُزَّهُ، فقال له أبو قَتَادة: يا رسول الله، إنّ لله عَلَيّ إن تركَتَهُ أن أرضِيك، قال: فتركه، فأغار مَسعدةُ الفزاريّ على سَرح أهل المدينةِ، فركبَ أبو قتادةَ فلقي مَسعدَة فَقَتَلهُ، وغشَّاهُ بُردَتَهُ، قال: فجاءَ الناسُ فقالوا: هذه بردةُ أَبِي قَتَادَةَ، قال: فَكُشِفَ فإذا مَسعَدة الفزارِي المقتول(*)، وفي رواية أخرى عن محمد بن سِيرِين: أن النبي صَلَّى الله عليه وسلم أرسل إلى أَبِي قَتَادَةَ، فقيلَ: يَتَرَجَّل، ثم أرسل إليه فقيل: يَتَرَجَّل، ثم أرسل إليه، فقيل: يَتَرَجَّل، فقال: “احلقُوا رَأسَهُ”، فجاء فقال: يارسولَ الله، دَعْني هذه المَرَّةِ، فوالله لَأُعَتّبَنَّك، فكان أول مالقي، قَتَل مَسْعَدَة رأس المشركين(*)، وقال ابن الأثير: مسعدة الذي قتله أَبو قتادة هو مسعدة بن حكمة بن مالك الفَزَاري، ومن ولده عبد الله وعبد الرحمن ابنا مسعدة، ولي عبد الله الصائفة لمعاوية، وولي عبد الرحمن الصائفة لعبد الملك.
قال زيد بن أسلم، أَنّ أبا قَتَادة حين توجَّهَ إلى اللِّقاحِ قال:
ألا عليكَ الخيل إن ألمَّتِ إن لم أُدافِعها فجُزوا لِمَّتي
وقال يحيى بن سعيد أن أبا قَتَادة الأنصاري قال لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: إن لي جُمَّةً أَفَأُرَجِّلها؟ فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: “نعم، وأكرِمها”، قال: فكان أبو قتادة ربما دَهَنها في اليوم مرّتين من أجل قول رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: “فأكرمها”(*).
روى أَسيد ابن أبي أَسِيد البرّادِ، عن أمهِ، قالت: قلنا لأبي قَتَاده مالك لا تُحِدّثُ عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم كما يُحَدِّثُ عنه الناسِ؟ فقال أبو قتادة: سمعت النبي صَلَّى الله عليه وسلم يقول: “مَنْ كَذَب عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَليُسَهِّل لجنبه مَضْجِعًا من النار”، وجعل النبي صَلَّى الله عليه وسلم يقوله وهو يمسح الأرض(*)، وروى عبد الله بن رَبَاح، عن أَبي قتادة: أَن النبي صَلَّى الله عليه وسلم كان إِذا عَرَّس بليل اضطجع على شقه الأَيمن، وإِذا اضطجع قبيل الصبح نَصب ذراعه ووضع رأْسه على كفه(*) .
وقال الحسن بن عثمان: شهد مع علي مشاهده كلها، وقال خليفة: ولاه علي مكة ثم ولاها قُثَم بن العباس، وذكره البخاري في الأوسط فيمن مات بين الخمسين والستين، وساق بإسنادٍ له أنَّ مروان لما كان واليًا على المدينة مِن قِبَل معاوية أرسل إلى أبي قَتَادة ليُريه مواقفَ النبي صَلَّى الله عليه وسلم وأصحابه، فانطلق معه فأراه، ويدلّ على تأخره أيضًا ما أخرجه محمد بن عقيل ــ أن معاوية لما قدم المدينة تلقّاه الناس، فقال لأبي قتادة: تلقّاني الناس كلهم غيركم يا معْشَرَ الأنصار.
قال الشّعبي: ـــ أنّ عليًا كبَّر على أَبي قتادة ستًا، وكان بَدْريًا، هكذا قال‏: سِتًا، وَفي رواية أخرى عن الشّعبي أنّ عليًا كَبَّر على أبي قتادة سبعًا. وقال يحيى بن عبيد الله بن أَبِي قَتَادَةَ قال: توفي أبو قتادة بالمدينة سنة أربع وخمسين وهو ابن سبعين سنة. قال محمد بن عمر: وَلَمْ أَرَ بين ولد أبي قتادة وأهل البلد عندنا اختلافًا أن أبا قتادة توفي بالمدينة، وروى أهل الكوفة أنه توفي بالكوفة وَعَلِيّ بن أبي طالب بها، وهو صلى عليه، فالله أعلم، وقال عبد الله بن نمير قال: صلى عَلِيٌّ عَلَى أبي قَتَادَة فكَبَّر عليه سبعًا، وقال الحسن بن عثمان: توفي سنة أَربعين

اضف رد