أخر المستجدات
امير المؤمنين محمد بن يوسف بن نصر بن الأحمر الخزرجي الانصاري مؤسس مملكة غرناطة وحاكم اشبيلية

امير المؤمنين محمد بن يوسف بن نصر بن الأحمر الخزرجي الانصاري مؤسس مملكة غرناطة وحاكم اشبيلية

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين

وبعد

محمد بن الاحمر (مؤسس مملكة غرناطة )(595-671ه)(1198-1272م)
يعرض لنا التاريخ الاندلسى (اسبانيا المسلمة)منذ قيام الدولة الايوبية ثلاث مراحل تمتاز كل منها بمميزات خاصة :-الاولى مرحلة القوة و التفوق اعنى تفوق الدولة الاسلامية على اسبانيا النصرانية و الثانية مرحلة الفوضى و الكفاح خلال عصر الطوائف و المرابطين و الموحدين و الثالثة مرحلة الضعف و الانحلال ايام مملكة غرناطة و هى مرحلة الكفاح الاخير و من الغريب ان هذه المراحل الثلاث تكاد تتساوى فى مداها الزمنى اذ يمتد كل منها زهاء قرنين ونصف القرن فقد عاشت الدولة الايوبية حتى اواخر القرن الرابع و امتدت دول الطوائف و سيادة المرابطين والموحدين منذ اواخر القرن الرابع حتى اوائل القرن السابع و عاشت مملكة غرناطة (1238-1492م).
و قد كان شبح الفناء يهدد الاندلس منذ انحدرت الى غمر التفكك و الفوضى عقب انهيار الدولة الاموية و قيام دولة الطوائف الصغيرة يقاتلون بعضهم بعضا حتى استولت اسبانيا النصرانية على طليطلة اول قاعدة اندلسية كبيرة تسقط و لاح خطرا كبيرا يهدد الاندلس كلها بالفناء و لم ينقذها سوى مقدم المرابطين جاء من افريقية الى الجزيرة استجابة لصريخ امراء الطوائف به و انتصارهم فى موقعة الزلاقة الشهيرة على والنصارى 1086م وذلك كان للسبب التقليدىاالذى اجتذب انظارهم لجمال الاندلس و غناهافى انظار الغزاة فاستولوا عليها وقضوا على ملوك الطوائف و ظلت تحت سيطرتهم زهاء مائة وخمسين عاما و نجد انها كانت حقبة مضطربة مليئة بالكفاح والحروب الاهلية و بعدها انهار سلطان الموحدين فى اوائل القرن السابع الهجرى و يرجع ذلك الى ضعف خلافتهم بالمغرب والحروب الاهلية وايضا نهوض قوى اندلسية جديدة فى شكل ثوارات و زعامات محلية و و قد انتهزت اسبانيا النصرانية ذلك وبدات فى الاستيلاء على اكبر جزء من قواعد الاندلس مثل قرطبة وبلنسية و مرسية و اشبيلية و لكن كان يوجد فى الركن الجنوبى الغربى من الجزيرة عناصر قوية متماسكة لتكون مهدا لمولد مملكة اسلامية جديدة وهى غرناطة
فى اوائل القرن السابع الهجرى ظهر فى شرق الاندلس فى منطقة مرسية ابو عبدالله بن يوسف بن هود سليل بنى هود امراء سرقسطة السابقين و اعلن الخرج و الثورة على الموحدين و كان سلطان الموحدين قد اخذ يضطرب و يتصدع فى الثغور و بدأ ابن هود فانتزع مرسية من الموحدين و بويع بها ودعا للخليفة المستنصر بالله العباسى و حينها اخذ امره يشتد و اعلن انه عزم تحرير الاندلس من الموحدين والنصارى معا ولم يمض سوى القليل حتى دخلت فى طاعته عدة من القواعد فى الاندلس و منها جيان وقرطبة وألمرية وماردة و بطليوس ثم استولى على غرناطة و استمر فى قتاله ضد الموحدين والنصارى و منافسه ابن الاحمر معارك متعاقبة و استطاع النصارى فى تلك الاثناء غزو قرطبة 1236م فكان سقوطها اعظم وقع فى الاندلس و جميع انحاء العالم الاسلامى ثم توفى بعدها ابن هود فى ظروف غامضة و لكن ثورته على الموحدين ونجاحه فى تحطيم سلطانهم فى بعض القواعد الاندلسية فى الواقع كل هذا لم يكن سوى مقدمة لمرحلة جديدة من المراحل التاريخ الاندلسى و قيام مملكة اندلسية جديدة هى مملكة غرناطة.
و يرجع الفضل فى قيام مملكة غرناطة التى شاء القدر ان تكون ملاذ الامة الاندلسية دهرا طويلا اخر الى عبقرية رجل من ذوى النباهة و العزم و التواضع معا هو محمد بن يوسف بن محمد بن احمد بن خميس بن نصر المعروف بابن الاحمر سليل بنى نصر و هو فى الاصل سادة حصن ارجونة على مقربة من جنوبى اندوجر من اعمال قرطبة و يرجعون نسبهم الى الصحابى سعد بن عبادة سيد الخزرج فهم بذلك من اعرق البطون العربية و كان لبنى نصر وجاهة وعصبية وولد محمد بن يوسف فى ارجونة سنة 1198م ونشأفى مهاد الفضيلة و التقشف جنديا وافر الجرأة و العزم يتزعم قومه و يقودهم الى مواطن النضال و بالرغم من كل هذا الا انه كان طموحه بلا حدود وواتته الفرصة عندما ضعف امر الموحدين و انتزع ابن هود منهم الكثير من الثغور و القواعد تباعا كما اطاعته الكثير من القواعد و كان كلا من ابن هود وابن الاحمر يتطلع الى الاستئثار بزعامة الاندلس و اقتتلا على مقربة من اشبيلية هزم فيها ابن هود و لكن عندما رأى استتباب الامر لابن هود وتفاهمه مع الخليفة اختار ان يعقد هدنة معه و بوفاة ابن هود انهارت دولته بسرعة و عندئذ استولى ابن الاحمر على ألمرية و قامت مدينة غرناطة بدعوته فدخلها فى حفل بسيط مؤثر فجعل بها مقر حكمه و قاعدة سلطانه
و هكذا نشأت امارة غرناطة الصغيرة من غمر الفوضى التى سادت الاندلس عند انهيار دولة الموحدين و لكنها كانت فى حاجة الى الاستقرار و التوطد وكان ابن الاحمر يواجه فى سبيل هذه المهمة كثيرا من الصعاب و كانت الاندلس قد مزقتها الحرب الاهلية و انتثرت الى حكومات و مناطق عديدة و كان ابن الاحمر يحظى بتأييد جمهرة كبيرة من الشعب الاندلسى و لا سيما فى الجنوب و لكن اصاغر الزعماء و الحكام كانوا يؤثرون الانضواء تحت لوائه وكان فرناندو الثالث ملك قشتالة يرى فى ابن الاحمر بعد وفاة ابن هود زعيم الاندلس الحقيقى و الخصم الذى يجب تحطيمه و كان ابن الاحمر وهو يعمل على توطيد مملكته الناشئة يشعر بخطر دائم من النصارى و يراقب تحركات فرناندو فى توجس و الواقع ان سائر العصور الوسطى ولا سيماجيان واحوازها قد أضحت منذ سقوط قرطبة تحت رحمة القشتاليين و كان فرناندو قد سير بالفعل جيشا عاث فى منطقة جيان و أستولى على حصن ارجونة موطن ابن الاحمر و قومه (بنى نصر)و عدة حصون و مواضع اخرى من املاك ابن الاحمر ثم زحف القشتاليون جنوبا صوب غرناطة ذاتهاو ضربوا حولها الحصار و لكنهم ردوا عن اسوارها بخسارة فادحة 1244م و فى العام التالى زحف النصارى على جيان و حاصروها حتى كادت تسقط فى ايديهم فلما رأى ابن الاحمر تفوق النصارى و عبث المقاومة آثر مهادنة ملك قشتالة فسار الى لقائه فى معسكره و قدم اليه طاعته وأتفق أن يحكم أراضيه باسمه و فى ظله و ان يقدم له جزية سنوية قدرها مائة وخمسون ألف قطعة ذهبية و تعهد بمعاونته فى حروبه ضد اعدائه و ان يشهد اجتماع مجلس قشتالة النيابى (الكورتيس) باعتباره من الامراء التابعين للعرش و سلم اليه قلعة جيان رهينة بحسن طاعته و هكذا امنت غرناطة شر العدوان مدى حين و ارتضى ابن الاحمر بان يضحى باستقلاله مؤقتا احتفاظا بأراضيه و حتى تتوطد دعائم دولته و عاون النصارى فى محاصرة اشبيلية و الاستيلاء عليها تنفيذا لعهده و كانت هذه المناظر المؤلمة تتكرر فى تاريخ الاندلس منذ الطوائف حيث نرى كثيرا من الامراء المسلمين يظاهرون النصارى على اخوانهم فى الدين احتفاظا بالملك والسلطان
و لكن ابن الاحمر كان يقبل هذا الوضع راغما انقاذا لتراث لم يكتمل الرسوخ بعد وتنفيذا لامنية كبيرة بعيدة المدى ذلك لانه كان يطمع الى جمع كلمة الاندلس كلها تحت لوائه و ادماج ما تبقى من تراثها واراضيها فى مملكة موحدة تكون ملكا له و لعقبه ولم تكن تحدوه رغبه فى توسع يجعله الى الابد اسيرا لحلفائه النصارى مثلما كان يفعل اسلافه زعماء الطوائف بل كانت تحدوه قبل كل شيىء الرغبة فى الاستقرار و التوطد داخل حدود امارته المتواضعة ومن ثم كانت مصانعته للنصارى و مهادنتهم فى البداية و كان جريا على السياسة الاندلسية المأثورة يستمد عون ملوك العدوة ويوثق معهم اواصر المودة و كان تطور الحوادث فى الاندلس شرقها و غربها و تفاقم محنتها و توالى سقوط قواعدها فى ايدى العدو قد اخذ يحدث صداه قويا فى الضفة الاخرى من البحر فى المغرب حيث اخذ نجم الدولة المرينية يتألق وتبدو ضخامة حشودها و قواتها وموادرها مشجعة على الالتجاء اليها و طلب انجادها و كانت النجدات الاولى من متطوعى بنى مرين قد اخذت تعبر الى شبه الجزيرة و قامت فى داخل المغرب حركة قوية للحث على انجاد الاندلس و تداركها قبل ان يفوت الاوان و اشترك فى هذه الحركة شعراء نظموا القصائد المبكية و علماء و ادباء توجهوا برسائلهم البليغة بيد انه كان لابد ان تمضى اعوام اخرى حتى تؤتى هذه الحركة ثمارها العملية و يعبر بنو مرين بقواتهم الجرارة الى شبه الجزيرة و بالرغم من ان ابن الاحمر استطاع غير بعيد ان يصمد لمقاومة القشتاليين و محاربتهم و قد استطاع بالفعل ان يهزمهم حينما غزوا اراضيه 1261م فانه لبث يعانى من غزواتهم المتوالية فلما تفاقم الامر و زحف القشتاليون على غرناطة للمرة الثانية ورأى ابن الاحمر انه عاجز عن رد هذا البلاء اضطر ان يتقدم خطوة اخرى فى سبيل طلب الهدنة و كان لتحقيق ذلك ضحى بالكثير فعقد مع الفونسو العاشر ملك قشتالة 1267م معاهدة سلم جديدة تنازل بمقتضاها عن عدد كبير من البلاد والحصون و قيل ان ما اعطاه ابن الاحمر بمقتضى هذا الصلح لملك قشتالة بلغ مائة و خمسين من بلاد غرب الاندلس .
 
و قد اذكى هذا الانهيار الفادح لصرح الوطن الاندلسى و ما اصابه من فقد معظم قواعده التالدة فى نحو ثلاثين عاما فقط لوعة الشعر والادب ، و نظم شاعر العصر ابو الطيب صالح بن شريف الرندى، مريثيته الشهيرة فى رثاء الاندلس ،و مطلعها يقول :
لكل شىء اذا ما تم نقصان …… فلا يغر بطيب العيش انسان
هى الامور كما شاهدتها دول …… من سره زمن ساءته أزمان
و قضى ابن الاحمر الاعوام القليلة الباقية من حكمه فى توطيد مملكته و تنظيم شئونها وكان قد اعلن البيعة بولاية العهد لابنه الاكبر محمد و بذلك اسبغ على رياسة بنى نصر صفى الملوكية الوراثية ثم توفى فى التاسع و العشرين من جمادى الثانية سنة 1272م عقب جرح اصابه فى معركة ضد جماعة من الخوارج عليه و كان قد قارب الثمانين من عمره .
و نجد ان ابن الاحمر كان يتمتع بخلال كثيرة منها البراعة السياسية و المقدرة على تنظيم الامور و شغفه بالجهاد و تواضعه فكان يعرف بالسيخ و يلقب بأمير المؤمنين و هو اللقب الذى غلب على سلاطين غرناطة فيما بعد كما وانه هو من بنى حصن الحمراء و سكنه باهله وولده و يقال ان هذا هو السبب بتلقيبه بابن الاحمر و البعض الاخر يقول تسميته بالاحمر ترجع لنضارة وجهه و احمرار شعره .
اما عن مملكة غرناطة فكانت قد توطدت دعائمها نوعا و استقر بها مللك بنى الاحمر على اسس ثابتة و كان من حسن طالعهم انه لم يظهر فى مملكه غرناطة زعماء خوارج ينازعون بنى نصر زعامتهم و لذا لم نشهد فى هذه الفترة مأساة الطوائف مرة اخرى وان لم تخل الدولة النصرية من الثورات و الانقلابات .
و كان من غرائب الاقدار ان هذه المملكة الصغيرة تحافظ على تراث الاندلس زهاء مائتين و خمسين عاما اخرى .
– محمد عبدالله عنان ، تراجم اندلسية ، الهيئة العامة المصرية للكتاب ،2000
– السيد عبد العزيز سالم، تاريخ المغرب و الاندلس، دار المعرفة الجامعية ،2001

اضف رد