بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف المرسلين
وبعد
أبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان
التفاصيلسَعْدُ بن مالك بن سِنَان الأَنصاري الخُدْرِيّ، وكنيته أَبو سعيد، وهو مشهور بها، قُتِلَ أبوه مالك بن سِنَان يوم أُحُدٍ شهيدًا، وروي أنه قال عُرِضتُ يومَ أُحدٍ على النبي صَلَّى الله عليه وسلم وأنا ابن ثلاث عشرة سنة، فجعل أبي يأخذ بيدي فيقول يا رسول الله إنه عَبْلُ العظام وإنْ كَانَ مُودَنًا، قال: وجعل النبي صَلَّى الله عليه وسلم يُصَعِّدُ فيَّ ويُصَوِّب ثم قال: “رُدّهُ” فردّه. وقال أَبو سعيد: قُتل أَبي يوم أَحد شهيدًا، وتركنا بغير مال، فأَتيت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أَسأَله شيئًا، فحين رآني قال: “مَنِ اسْتَغْنَى أَغْنَاهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ أْعَفَّهُ اللَّهُ”، قلت: ما يريد غيري، فرجعت. وروي عن أبي سعيد الخُدْرِيّ قال: خرجتُ مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في غزوة بَني الْمُصْطَلِق، ابن خمسَ عشرة سنة، وشهد –رضي الله عنه- الخندق، وما بعد ذلك من المشاهد، وكان أبو سعيد من الحُفاظ المكثرين العلماء الفضلاء العقلاء، وَروي عن سهل بن سعد أنه قال: بايعتُ النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم أنا وأبو ذَرّ، وعبادة بن الصّامت، ومحمد بن مسلمة، وأبو سعيد الخُدْري، وسادس على ألا تأخذنا في الله لومةُ لائم، فاستقال السادس؛ فأقاله، وروى أبي سعيد رفعه: “لاَ يمْنَعَنَ أحَدَكُمْ مخافَةُ النَّاسِ أنّ يَتكَلَّمَ بِالْحَقِّ إذَا رَآهُ أوْ عَلِمَهُ”؛ فحملني ذلك على أن ركبت إلى معاوية؛ فملأت أذنيه ثم رجعت. ورَوى أبو سعيد عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم الكثير من الأحاديث، فهو مكثر من الحديث، وروي عن أبي نضرةَ قال: قلنا لأبي سعيد الخدري: ألا نكتب ما نسمع منك؟ قال: تريدون أن تَجعلوها مَصَاحِفَ! احفظوا مِنّا كَمَا حفظنا. وقال غَيْلاَن بن شُمَيْخ الغَيلاَنِيّ: أتيتُ المدينة، فانطلقت إلى أبي سعيد الخُدْرِيّ، فدخلت عليه فإذا شيخٌ كبيرٌ يُصلِّي حين زالت الشمس معتمدًا على جَرِيدَةٍ إذا قام اعتمد عليها، وإذا ركع أسندها إلى القبلة، فإذا أراد أن يسجد اعتمد عليها من الكِبَر، وإذا سجد جَافَى مِرْفَقَيْه عن جَنْبَيْهِ حتى أرى بياضَ إبطَيْهِ. وحدّث أبو سعيد: أنه أصبح ذات يوم وليس عندهم طعام، وقد ربط حَجَرًا من الجوع قال: فقالت لي امرأتي: ائْتِ النبي صَلَّى الله عليه وسلم فَسَلْهُ فقد أتاه فلان فأعطاه وأتاه فلان، فقلت: لا، حتى لا أجد شيئا، فطلبت فلم أجد شيئًا، فأتيت النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم، وهو يخطب، فأدركت من قوله: “من يستغنِ يُغنِهُ الله، ومَنْ يَسْتَعْفِف يُعِفُّهُ الله، ومَن يسألنا إِمّا أَنْ نَبذُلَ له أو نُوَاسِيه، ومن استغنى عنّا أحبُّ إلينا ممّن سألنا”، وفي رواية: “… واليدُ العليا خيرٌ من اليد السُّفْلَى، ولا يفتح أحدٌ بابَ مسألةٍ إلا فتح الله عليهِ باب فَقْرٍ” قال: فما سألتُ أحدًا بعدهُ، وما زال الله يرزقنا حتى ما أعلم أهل بيتٍ من الأنصار أكثر أَموالًا مِنَّا. قال أَبِو سعيد الخُدْرِيّ: لزمت بَيْتِي ليالي الحَرَّةَ فلم أخرج، فدخل عَلَيَّ نَفَرٌ من أهل الشام فقالوا: أيها الشيخ! أَخْرِجْ ما عندك، فقلت: والله ما عندي مالٌ، قال: فَنَتَفُوا لِحْيَتِي وضَرَبُوني ضَرباتٍ ثم عمدوا إلى بيتي فجعلوا يَنْقلُون مَا خَفّ لهم مِنَ المَتَاع حتى إنهم يَعْمدون إلى الوِسَادة والفراش فينفضون صُوفَهُما ويأخذون الظَّرْفَ، حتى لقد رأيتُ بَعْضَهم أخذ زَوْجَ حمامٍ كان في البيت ثم خرجوا به. ولما مرض –رضي الله عنه- مرض الموت دَعَا نَفَرًا من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فيهم: ابن عباسِ، وابن عمر، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله فقال: لاَ يَغْلِبَنّكُم ولدُ أَبِي سعيد، إذا أنا مُتُّ، فكَفِّنُونِي في ثيابي التي كنت أُصَلّيَ فيها وأَذْكُر الله فيها، وفي البيت قُبْطِيَّة ــ أو قِطْرِيَّة ــ فكَفِّنُونِي فيها، وأجمروا عَلَيّ بأوقية مجْمَر، ولا تضربوا على قبري فُسْطَاطًا، واجعلوا في سريري قَطِيفَة أرجوان، ولا تتبعوني بنارٍ، وإذا أخرجتموني فلا تتبعني باكيةٌ، قال: ففعلوا ما أمرهم به. وتوفي أبو سعيد سنة أَربع وسبعين يوم الجمعة، ودفن بالبقيع.