أخر المستجدات
الصحابي الجليل حسان بن ثابت الانصاري رضي الله عنه

الصحابي الجليل حسان بن ثابت الانصاري رضي الله عنه

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين

وبعد

حسان بن ثابت الأنصاري

التفاصيليُكنى: أبا الوليد، وقيل: أبو الحسام؛ لمناضلته عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ولتقطيعه أعراض المشركين، وأبو الوليد أشهرُ كُناه، وعاش ستين سنة في الجاهلية، وستين في الإسلام، وقال سليمان بن يسار: رأيت حسان بن ثابت وله ناصيةٌ قدْ سَدَلَها بَيْنَ عَينَيه. وكان حسانُ بن ثابت قديمَ الإسلام. وجعله النبي صَلَّى الله عليه وسلم مع النساء في الآطام يوم الخندق، وكان يقال له شاعر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. وقال قائل لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: اهْجُ عنَّا القوم الذين يهجوننا. فقال: إنْ أذنَ لي رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فعلْتُ. فقالوا: يا رسول الله، ائذنْ له. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: “إِنَّ عليًا ليس عنده ما يُرَاد في ذلك منه”، أو: “ليس في ذلك هنالك”. وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: “كَيْفَ تَهْجُوهُمْ وَأَنا مِنْهُمْ؟ وَكَيْفَ تَهْجُو أَبَا سُفْيَانَ وَهْوَ ابنُ عَمِّي؟” فقال: والله لأسلَّنّك منهم كما تُسَلُّ الشّعرةُ من العَجِين. فقال له: “إيت أبا بكر، فإنه أعلمُ بأنساب القوم منك”. فكان يَمضِي إلى أبي بكر ليقِفَ على أنسابهم، فكان يقول له: كفَّ عن فلانة وفلانة، واذكر فلانة وفلانة، فجعل حسَّان يهجوهم. فلما سمعَتْ قريش شِعْرَ حسان قالوا: إنّ هذا الشّعر ما غاب عنه ابن أبي قحافة، أو: من شعر ابْن أبي قحافة. فمن شعر حسّان: هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ وَعِنْدَ اللَّهِ فِي ذَاكَ الجَزَاءُ هَجَوْتَ مُطَهَّرًا بَرًّا حَنِيفًا أَمِينَ اللَّهِ شِيمَتُهُ الوَفَاءُ أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَتِي وَعِرْضِي لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ وعن أبي هريرة أنّ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يقولُ لحسَّان: “اهْجُهُمْ ــ يعني المشركين ــ وَرُوْحُ القُدسِ مَعَكَ”. وإنه صلّى الله عليه وآله وسلّم قال لحسّان: “اللَّهُمَّ أَيّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ؛ لِمُنَاضَلَتِهِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ”. . ومرَّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه بحسّان وهو يُنْشِد الشّعر في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال: أتنشد الشّعر في مَسْجد رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ فقال له حسان: قد كنْتُ أُنْشد وفيه مَنْ هو خير منك ــ يعني النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ــ فسكت عمر. وقال أبو عُبيدة: فُضِّلَ حسّان على الشّعراء بثلاث: كان شاعرَ الأنصار في الجاهليّة، وشاعرَ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في أيام النبوّة، وشاعر اليمن كلها في الإسلام. وقيل لحسّان: لَان شِعْرُك أو هرم شِعْرُك في الإسلام يا أبا الحسام. فقال للقائل: ياابْن أخي؛ إن الإسلام يحْجِز عن الكذب، أو يمنَعُ من الكذب، وإن الشّعر يزينه الكذب؛ يعني: إنّ شأنَ التجويد في الشّعر الإفراط في الوصف والتزيين بغير الحق، وذلك كلُّه كذب. ومن جيّد شعر حسّان ما ارتجله بين يَدي النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في حين قدوم وَفْد بني تميم، إِذ أتَوْه بخطيبهم وشاعرهم، ونادَوْه من وراءِ الحجُرات أَن اخْرُج إلينا يا محمّد، فأنزل الله فيهم}: إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ{‏ [الحُجْرات‏: 4، 5]‏ الآية. وكانت حجراته صلّى الله عليه وآله وسلّم تسعًا، كلُّها من شعر مغلقة من خشب العَرْعَر. فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إليهم، وخطب خطيبُهم مُفتخرًا، فلما سكت أمرَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ثابت بن قيس بن شماس أنْ يخْطُبَ بمعنى ما خطب به خطيبُهم، فخطب ثابت بن قيس فأحسن، ثم قام شاعرهم، وهو الزّبرقان بن بدر فقال: نَحْنُ المُلُوكَ فَلَا حَيٌّ يُقَارِبُنَا فِينَا العَلَاءُ وَفِينَا تُنْصَبُ البَيْعُ وَنَحْنُ نُطْعِمُهُمْ فِي القَحْطِ مَا أَكَلُوا مِنْ العَبِيطِ إِذَا لَمْ يُؤْنَسِ القَزَعُ وَنَنْحَرُ الكُومَ عُبْطًا فِي أَرُومَتِنَا للِنَّازِلِينَ إِذَا مَا أُنْزِلُوا شَبِعُوا تِلْكَ المَكَارِمُ حُزْنَاهَا مُقَارَعَةً إِذَا الكِرَامُ عَلَى أَمْثَالِهَا اقْتَرَعُوا ثم جلس. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لحسّان بن ثابت: “قم”، فقام، وقال: إِنَّ الذَّوَائِبَ مِنْ فِهْرٍ وَإِخْوَاتَهُمْ قَدْ بَيَّنُوا سُنَّةً لِلنَّاسِ تُتَّبَعُ يَرْضَى بِهَا كُلُّ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ تَقْوَى الإِلَهِ وَبِالأَمْرِ الَّذِي شَرَعُوا قَوْمٌ إِذَا حَارَبُوا ضَرُّوا عَدُوَّهُمُ أَوْ حَاوَلُوا النَّفْعَ فِي أَشْيَاعِهِمْ نَفَعُوا سَجِيَّةٌ تِلْكَ مِنْهُمْ غَيْرُ مُحْدَثَةٍ إِنَّ الخَلَائِقَ فَاعْلَمْ شَرُّهَا البِدَعُ فقال التميميون عند ذلك: وربكم إنّ خطيبَ القوم أخطَبُ من خطيبنا، وإنَّ شاعرَهم أشعر من شاعرنا، وما أنتصفنا ولا قاربْنَا. وقال عبد الملك بن عمير: جاء حسان بن ثابت إلى النبي صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: أُسْمِعُكَ يا رسول الله؟ قال: “قل حقا”، قال: شَهِدْتُ بإذنِ الله أَنَّ محمدًا رَسُولُ الذي فوق السموات مِنْ عَلُ فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: “وأنا أشهَدُ”. وَأنَّ الذي عَادَى اليَهُود ابن مَرْيم نبيٌّ أتى من عِنْدِ ذي العرش مُرْسَلُ فقال: “وأنا أشهد”. وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما لَهُ عَمَلٌ في دينه مُتَقَبَّلُ فقال: “وأَنا أشهد”. وأن أخا الأحقاف إذ يَعْذِلُونَه يُجَاهِدُ في ذَاتِ الإله ويَعْدِلُ فقال: “وأنا أشهد”. وأن التي بالجزع من بَطْنِ نَخْلَةٍ ومَنْ دَانَها فلّ عن الخير مَعْزِلُ فقال: “وأنا أشهد”. وقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: “من يحمي أعراضَ المسلم”؟ فقال عبد الله بن رَواحة: أنا، وقال كعبُ بن مالك: أنا، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:”إنك تُحسِن الشعر”، وقال حسان بن ثابت: أنا، قال: فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: “اهجهُم فإن روحَ القدس سَيُعِينُك”. وقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ليلة وهو في سَفَر: “أين حسان بن ثابت”؟ فقال: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: “خُذ”، فجعل يُنشده ويصغي إليه وهو سائق راحلته حتى كاد رأس الراحلة يمَس المُورِك حتى فرغ من نشيده، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: “لهذا أشد عليهم من وقع النبل”. وروت عائشة أن حسان كان يقول فيها: حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُرَنُّ بِرِيبَةٍ وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الغَوَافِلِ فَإِنْ كَانَ مَا قَدْ قِيلَ عَنِّي قُلْتُهُ فَلَا رَفَعَتْ سَوْطِي إِلَيَّ أَنَامِلِي وروي أن عائشة كانت تقول: لا تُؤذوا حسانا؛ فإنه كان ينصر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بلسانه وفاته: مات حسان بن ثابت في خلافة معاوية بن أبي سفيان، وهو ابن عشرين ومائة سنة.

اضف رد